تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٣٨٧
وبعضهم قال: كذا، فلا يكون فيها تضاد. ومعنى الآية: أنهم وضعوا مكان ما أمروا به من التوبة والاستغفار قولا مغايرا له مشعرا باستهزائهم بما أمروا به، والإعراض عما يكون عنه غفران خطيآتهم. كل ذلك عدم مبالاة بأوامر الله، فاستحقوا بذلك النكال.
* (فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا) *: كرر الظاهر السابق زيادة في تقبيح حالهم وإشعارا بعلية نزول الرجز. وقد أضمر ذلك في الأعراف فقال: * (فأرسلنا عليهم) *، لأن المضمر هو المظهر. وقرأ ابن محيصن: رجزا بضم الراء، وقد تقدم أنها بالغة في الرجز. واختلفوا في الرجز هنا، فقال أبو العالية: هو غضب الله تعالى، وقال ابن زيد: طاعون أهلك منهم في ساعة سبعين ألفا، وقال وهب: طاعون عذبوا به أربعين ليلة ثم ماتوا بعد ذلك، وقال ابن جبير: ثلج هلك به منهم سبعون ألفا، وقال ابن عباس: ظلمة وموت مات منهم في ساعة أربعة وعشرون ألفا وهلك سبعون ألفا عقوبة. والذي يدل عليه القرآن أنه أنزل عليهم عذاب ولم يبين نوعه، إذ لا كبير فائدة في تعليق النوع. * (من السماء) *: إن فسر الرجز بالثلج كان كونه من السماء ظاهرا، وإن فسر بغيره فهو إشارة إلى الجهة التي يكون منها القضاء عليهم، أو مبالغة في علوه بالقهر والاستيلاء. * (بما كانوا) *، ما: مصدرية التقدير بكونهم. * (يفسقون) *. وأجاز بعضهم أن تكون بمعى الذي، وهو بعيد. وقرأ النخعي وابن وثاب وغيرهما بكسر السين، وهي لغة. قال أبو مسلم: هذا الفسق هو الظلم المذكور في قوله: * (على الذين ظلموا) *. وفائدة التكرار التأكيد، لأن الوصف دال على العلية، فالظاهر أن التبديل سببه الظلم، وأن إنزال الرجز سببه الظلم أيضا. وقال غير أبي مسلم: ليس مكرر الوجهين: أحدهما: أن الظلم قد يكون من الصغائر، * (ربنا ظلمنا) *، ومن الكبائر: * (إن الشرك لظلم عظيم) * والفسق لا يكون إلا من الكبائر. فلما وصفهم بالظلم أولا وصفهم بالفسق الذي هو لا بد أن يكون من الكبائر. والثاني: أنه يحتمل أنهم استحقوا اسم الظلم بسبب ذلك التبديل ونزول الرجز عليهم من السماء، لا بسبب ذلك التبديل بل بالفسق الذي فعلوه قبل ذلك التبديل، وعلى هذا يزول التكرار. انتهى..
وقد احتج بعض الناس بقوله تعالى: * (فبدل الذين ظلموا) *، وترتيب العذاب على هذا التبديل على أن ما ورد به التوقيف من الأقوال لا يجوز تغييره ولا تبديله بلفظ آخر. وقال قوم: يجوز ذلك إذا كانت الكلمة تسد مسدها، وعلى هذا جرى الخلاف في قراءة القرآن بالمعنى، وفي تكبيرة الإحرام، وفي تجويز النكاح بلفظ الهبة والبيع والتمليك، وفي نقل الحديث بالمعنى. وذكروا أن في الآية سؤالات: الأول: قوله هنا، * (وإذا قلنا) *، وفي الأعراف: * (وإذ قيل) *. وأجيب بأنه صرح بالفاعل في البقرة لإزالة الإبهام، وحذف في الأعراف للعلم به في سورة البقرة. الثاني: قال هنا: ادخلوا، وهناك اسكنوا. وأجيب بأن الدخول مقدم على السكنى، فذكر الدخول في السورة المتقدمة. والسكنى في المتأخرة. الثالث: هنا خطاياكم، وهناك: خطيئتاكم. وأجيب بأن الخطايا جمع كثرة، فناسب حيث قرن به ما يليق بجوده، وهو غفران الكثير. والخطيئات جمع قلة لما لم يضف ذلك إلى نفسه. الرابع: ذكر هنا: رغدا وهناك: حذف. وأجيب بالجواب قبل. الخامس: هنا قدم دخول الباب على القول، وهناك عكس. وأجيب بأن الواو للجمع والمخاطبون بهذا مذنبون.
(٣٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 382 383 384 385 386 387 388 389 390 391 392 ... » »»