المصدر المفهوم من الكلام قبله، وأن تكون من للسبب، أي فانفجرت بسبب الضرب، ولكن لا يجوز أن يرتكب مثل هذا في كلام الله تعالى، لأنه لا ينبغي أن يحمل إلا على أحسن الوجوه في التركيب وفي المعنى، إذ هو أفصح الكلام. وفي هذا الانفجار من الإعجاز ظهور نفس الماء من حجر لا اتصال له بالأرض، فتكون مادته منها، وخروجه كثيرا من حجر صغير، وخروجه بقدر حاجتهم، وخروجه عند الضرب بالعصا، وانقطاعه عند الاستغناء عنه.
* (اثنتا عشرة) *: التاء في اثنتا للتأنيث، وفي ثنتا للالحاق، وهذه نظير ابنة وبنت. وقرأ الجمهور: عشرة بسكون الشين. وقرأ مجاهد، وطلحة، وعيسى، ويحيى بن وثاب، وابن أبي ليلى، ويزيد: بكسر الشين. وروى ذلك نعيم السعيدي عن أبي عمرو، والمشهور عنه الإسكان، وتقدم أنها لغة تميم، وكسرهم لها نادر في قياسهم لأنهم يخففون فعلا، يقولون في نمر: نمر. وقرأ ابن الفضل الأنصاري، والأعمش: بفتح الشين. وروي عن الأعمش: الإسكان، والكسر أيضا. قال الزمخشري: الفتح لغة. وقال ابن عطية: هي لغة ضعيفة. وقال المهدوي: فتح الشين غير معروف، ويحتمل أن تكون لغة، وقد نص بعض النحويين على أن فتح الشين شاذ، وعشرة في موضع خفض بالإضافة، وهو مبني لوقوعه موقع النون، فهو مما أعرب فيه الصدر وبني العجز. ألا ترى أن اثنتي معرب إعراب المثنى لثبوت ألفه رفعا وانقلابها نصبا وجرا، وأن عشرة مبني؟ ولما تنزلت منزلة نون اثنتين لم يصح إضافتها، فلا يقال: اثنتا عشرتك. وفي محفوظي أن ابن درستويه ذهب إلى أن اثنا واثنتا وثنتا مع عشر مبني، ولم يجعل الانقلاب دليل الإعراب.
* (عينا) *: منصوب على التمييز، وإفراد التمييز المنصوب في باب العدد لازم عند الجمهور، وأجاز الفراء أن يكون جمعا، وكان هذا العدد دون غيره لكونهم كانوا اثني عشر سبطا، وكان بينهم تضاغن وتنافس، فأجرى الله لكل سبط منهم عينا يرده، لا يشركه فيه أحد من السبط الآخر، وذكر هذا العدد دون غيره يسمى التخصيص عند أهل علم البيان، وهو أن يذكر نوع من أنواع كثيرة لمعنى فيه لم يشركه فيه غيره، ومنه قوله تعالى: * (وأنه هو رب الشعرى) *، وسيأتي بيان ذلك التخصيص فيها، إن شاء الله تعالى، في موضعها، وقول الخنساء:
* يذكرني طلوع الشمس صخرا * وأندبه بكل مغيب شمس * اختصتهما من دون سائر الأوقات للغارة والقرى. قال بعض أهل اللطائف: خلق الله الحجارة وأودعها صلابة يفرق بها أجزاء كثيرة مما صلب من الجوامد، وخلق الأشجار رطبة الغصون، ليست لها قوة الأحجار، فتؤثر فيها تفريقا بأجزائها ولا تفجير العيون مائها، بل الأحجار تؤثر فيها. فلما أيدت بقوة النبوة، انفلقت بها البحار، وتفرقت بها أجزاء الأحجار، وسالت بها الأنهار، * (إن فى ذالك لعبرة لاولى الابصار) *.
* (قد علم كل أناس مشربهم) *: جملة استئناف تدل على أن كل سبط منهم قد صار له مشرب يعرفه فلا يتعداه لمشرب غيره، وكأنه تفسير لحكمة الانقسام إلى اثنتي عشرة عينا، وتنبيه عليها. وعلم هنا متعدية لواحد أجريت مجرى عرف، واستعمالها كذلك كثير في القرآن ولسان العرب. وكل أناس مخصوص بصفة محذوفة، أي من قومه الذين استسقى لهم. والمشرب هنا مكان الشرب وجهته التي يجري منها الماء. وحمله بعضهم على المشروب وهو الماء، والأول أولى، لأن دلالته على المكان بالوضع، ودلالته على الماء بالمجاز، وهو تسمية الشيء باسم مكانه وإضافة المشرب إليهم، لأنه لما تخصص كل مشرب بمن تخصص به صار كأنه ملك لهم، وأعاد الضمير في مشربهم على معنى كل لا على لفظها، ولا يجوز أن يعود على لفظها، فيقال: مشربه، لأن