تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٣٧٠
التقدير: وأن لا تطلقها يعل، فإن كان غير منفي بلا، فلا يجوز ذلك إلا في ضرورة، نحو قوله:
* سقته الرواعد من صيف وإن * من خريف فلن يعدما * التقدير: وإن سقته من خريف فلن يعدم الري، وذلك على أحد التخريجين في البيت، وكذلك حذف فعل الشرط وفعل الجواب دون أن يجوز في الضرورة، نحو قوله:
* قالت بنات العم يا سلمى وإن * كان عييا معدما قالت وإن * التقدير: وإن كان عييا معدما أتزوجه. وأما حذف فعل الشرط وأداة الشرط معا، وإبقاء الجواب، فلا يجوز إذا لم يثبت ذلك من كلام العرب. وأما جزم الفعل بعد الأمر والنهي وأخواتهما فله. ولتعليل ما ذكرنا من الأحكام مكان آخر يذكر في علم النحو. وظاهر قوله: * (فتاب عليكم) * أنه كما قلنا: إخبار عن المأمورين بالقتل الممتثلين ذلك. وقال ابن عطية: معناه على الباقين، وجعل الله القتل لمن قتل شهادة، وتاب على الباقين وعفا عنهم، انتهى كلامه. * (إنه هو التواب الرحيم) *: تقدم الكلام على هذه الجملة عند قوله تعالى في قصة آدم: * (فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم) *، فأغنى ذلك عن إعادته هنا.
* (وإذ قلتم ياموسى * موسى) *: هذه محاورة بني إسرائيل لموسى، وذلك بعد محاورته لهم في الآية قبل هذا. والضمير في قلتم قيل للسبعين المختارين، قاله ابن مسعود وقتادة، وذكر في اختيار السبعين كيفية ستأتي، إن شاء الله تعالى، في مكانها في الأعراف. وقيل: الضمير لسائر بني إسرائيل إلا من عصمة الله، قاله ابن زيد. وقيل: الذين انفردوا مع هارون ولم يعبدوا العجل. وقال بعض من جمع في التفسير: تظافرت أقوال أئمة التفسير على أن الذين أصابتهم الصاعقة هم السبعون رجلا الذين اختارهم موسى ومضى بهم لميقات ربه ومناجاته، وما ذكر لا يمكن مع ذكر الاختلاف في قوله: * (وإذ قلتم) *، لأن الظاهر أن القائل ذلك هم الذين أخذتهم الصاعقة، إلا إن كان ذلك من تلوين الخطاب، وهو هنا بعيد. وفي نداء بني إسرائيل لنبيهم باسمه سوء أدب منهم معه، إذ لم يقولوا: يا نبي الله، أو يا رسول الله، أو يا كليم الله، أو غير ذلك من الألفاظ التي تشعر بصفات التعظيم، وهي كانت عادتهم معه: يا موسى لن نصبر على طعام واحد، يا موسى اجعل لنا إلها، يا موسى ادع لنا ربك. وقد قال الله لهذه الأمة لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا..
* (لن نؤمن لك) *: قيل معناه: لن نصدقك فيما جئت به من التوراة، ولم يريدوا نفي الإيمان به بدليل قولهم لك، ولم يقولوا بك نحو: * (وما أنت بمؤمن لنا) *، أي بمصدق. وقيل معنا: لن نقر لك، فعبر عن الإقرار بالإيمان وعداه باللام، وقد جاء * (لتؤمنن به ولتنصرنه قال ءأقررتم وأخذتم على ذالكم إصرى) *، قالوا: أقررنا، فيكون المعنى: لن نقر لك بأن التوراة من عند الله. وقيل: يجوز أن تكون اللام للعلة، أي لن نؤمن لأجل قولك بالتوراة.
(٣٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 365 366 367 368 369 370 371 372 373 374 375 ... » »»