* (ذالكم) *: إشارة إلى المصدر المفهوم من قوله: فاقتلوا، لأنه أقرب مذكور، أي القتل: * (خير لكم) * وقال بعضهم: هو إشارة إلى المصدرين المفهومين من قوله: فتوبوا واقتلوا، فأوقع المفرد موقع التثنية، أي فالتوبة والقتل خير لكم، فيكون مثل قولهم في قوله تعالى: * (عوان بين ذالك) * أي بين ذينك أي الفارض والبكر، وكذلك قوله:
* إن للخير وللشر مدى * وكلا ذلك وجه وقبل * أي: وكلا ذينك، وهذا ينبني على ما قدمناه من أن قوله: فاقتلوا، هل هو تفسير للتوبة؟ فتكون التوبة هي القتل. فينبغي أن يكون ذلكم مفردا أشير به إلى مفرد، وهو القتل، أو يكون القتل مغايرا للتوبة، فيتحتمل هذا الذي قاله هذه القائل، ولكن الأرجح خير، إن كانت للتفضيل فقيل: المعنى خير من العصيان والأصرار على الذنب. وقيل: خير من ثمرة العصيان، وهو الهلاك الذي لهم، إذ الهلاك المتناهي خبر من الهلاك غير المتناهي، إذ الموت لا بد منه، فليس فيه إلا التقديم والتأخير. وكلا هذين التوجيهين ليس التفضيل على بابه، إذ العصيان والهلاك غير المتناهي لا خير فيه، فيوصف غيره بأنه أزيد في الخيرية عليه، ولكن يكون على حد قولهم: العسل أحلى من الخل. ويحتمل أن لا يكون للتفضيل بل أريد به خير من الخيور. لكم: متعلق بخير إن كان للتفضيل، وإن كانت على أنها خير من الخيور فيتعلق بمحذوف، أي خبر كائن لكم. والتخريجان يجريان في نصب قوله: * (عند بارئكم) *. والعندية هنا مجاز، إذ هي ظرف مكان وتجوز به عن معنى حصول ثوابهم من الله تعالى. وكرر البارىء باللفظ الظاهر توكيدا، ولأنها جملة مستقلة فناسب الإظهار، وللتنبيه على أن هذا الفعل هو راجح عند الذي أنشأكم، فكما رأى أن إنشاءكم راجح، رأى أن إعدامكم بهذا الطريق من القتل راجح، فينبغي التسليم له في كل حال، وتلقي ما يرد من قبله بالقبول والامتثال.
* (فتاب عليكم) *: ظاهره أنه إخبار من الله تعالى بالتوبة عليهم، ولا بد من تقدير محذوف عطفت عليه هذه الجملة، أي فامتثلتم ذلك فتاب عليكم. وتكون هاتان الجملتان مندرجتين تحت الإضافة إلى الظرف الذي هو: إذ في قوله: * (وإذ قالت * موسى لقومه) *. وأجاز الزمخشري أن يكون مندرجا تحت قول موسى على تقدير شرط محذوف، كأنه قال: فإن فعلتم فقد تاب عليكم، فتكون الفاء إذ ذاك رابطة لجملة الجزاء بجملة الشرط المحذوفة، هي وحرف الشرط، وما ذهب إليه الزمخشري لا يجوز، وذلك أن الجواب يجوز حذفه كثيرا للدليل عليه. وأما فعل الشرط وحده دون الأداة فيجوز حذفه إذا كان منفيا بلا في الكلام الفصيح، نحو قوله:
* فطلقها فلست لها بكفؤ * وإن لا يعل مفرقك الحسام *