التسهيل لعلوم التنزيل - الغرناطي الكلبي - ج ٤ - الصفحة ٢١٦
سورة التكاثر * (ألهاكم التكاثر) * هذا خبر يراد به الوعظ والتوبيخ ومعنى ألهاكم شغلكم والتكاثر المباهاة بكثرة المال والأولاد وأن يقول هؤلاء نحن أكثر ويقول هؤلاء نحن أكثر ولما قرأها النبي صلى الله عليه وسلم قال يقول ابن آدم مالي مالي وليس لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت * (حتى زرتم المقابر) * فيه ثلاثة أقوال أحدها أن معناه حتى متم فأراد بزيارة المقابر الدفن فيها الثاني أن معناه حتى ذكرتم الموتى الذين في المقابر فعبر بزيارتها عن التفاخر بمن فيها لأن بعض العرب تفاخر بآبائها الموتى فالمعنى ألهاكم التكاثر حتى بلغتم فيه إلى ذكر الموتى الثالث أن معناه زيارة المقابر حقيقة لتعظيم أهلها والتفاخر بهم فيقال هذا قبر فلان ليشهر ذكره ويعظم قدره * (كلا سوف تعلمون) * زجر وتهديد ثم كرره للتأكيد وعطفه بثم إشارة إلى أن الثاني أعظم من الأول وقيل الأول تهديد للكفار والثاني تهديد للمؤمنين وحذف معمول تعلمون وتقديره تعلمون ما يحل بكم أو تعلمون أن القرآن حق أو تعلمون أنكم كنتم على خطأ في اشتغالكم بالدنيا وإنما حذفه لقصد التهويل فيقدر السامع أعظم ما يخطر بباله * (لو تعلمون علم اليقين) * جواب لو محذوف تقديره لو تعلمون لازدجرتم واستعددتم للآخرة فينبغي الوقف على اليقين ومعمول لو تعلمون محذوف أيضا وعلم اليقين مصدر ومعنى علم اليقين العلم الذي لا يشك فيه قال بعضهم هو من إضافة الشئ إلى نفسه كقولك دار الآخرة وقال الزمخشري معناه علم الأمور التي تتيقنونها بالمشاهدة * (لترون الجحيم) * هذا جواب قسم محذوف وهو تفسير لمفعول لو تعلمون تقديره لو تعلمون عاقبة أمركم ثم فسرها بأنها رؤية الجحيم والتفسير بعد الابهام يدل على التهويل والتعظيم والخطاب لجميع الناس فهو كقوله وإن منكم إلا واردها وقيل للكفار خاصة فالرؤية على هذا يراد بها الدخول فيها * (ثم لترونها عين اليقين) * هذا تأكيد للرؤية المتقدمة وعطفه بثم للتهويل والتفخيم والعين هنا من قولك عين الشئ نفسه وذاته أي لترونها الرؤية التي هي نفس اليقين * (ثم لتسألن يومئذ عن النعيم) * هذا إخبار بالسؤال في الآخرة عن نعيم الدنيا فقيل النعيم الأمن والصحة وقيل الطعام والشراب وهذه أمثلة والصواب العموم في كل ما يتلذذ به قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت يكنك وخرقة تواريك وكسرة تشد قلبك وما سوى ذلك فهو نعيم وقال صلى الله عليه وسلم كل نعيم فمسئول عنه إلا نعيم في سبيل الله وأكل صلى الله عليه وسلم يوما مع أصحابه رطبا وشربوا عليه ماء فقال لهم هذا من النعيم الذي تسئلون عنه سورة العصر * (والعصر) * فيه ثلاثة أقوال الأول أنه صلاة العصر أقسم الله بها لفضلها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله الثاني أنه العشى أقسم به كما أقسم بالضحى ويؤيد
(٢١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 211 212 213 214 215 216 217 218 219 220 221 ... » »»