التسهيل لعلوم التنزيل - الغرناطي الكلبي - ج ٤ - الصفحة ٢١٥
الإنسان إذا بعثر ما في القبور ثم استأنف قوله إن ربهم بهم يومئذ لخبير على وجه التأكيد أو البيان للمعنى المتقدم والعامل في إذا بعثر على هذا الوجه هو أفلا يعلم والعامل فيه على مقتضى قول ابن عطية هو المفعول المحذوف وإذا هنا ظرفية بمعنى حين ووقت وليست بشرطية والعامل في يومئذ خبير وإنما خص ذلك بيوم القيامة لأنه يوم الجزاء بقصد التهديد مع أن الله خبير على الإطلاق سورة القارعة * (القارعة) * من أسماء القيامة لأنها تقرع القلوب بهولها وقيل هي النفخة في الصور لأنها تقرع الأسماع * (ما القارعة) * مبتدأ وخبر في موضع خبر القارعة والمراد به تعظيم شأنها وكذلك وما أدراك ما القارعة * (يوم يكون الناس كالفراش المبثوث) * العامل في الظرف محذوف دل عليه القارعة تقديره تقرع في يوم والفراش هو الطير الصغير الذي يشبه البعوض ويدور حول المصباح والمبثوث هو المنتشر المتفرق شبه الله الخلق يوم القيامة به في كثرتهم وانتشارهم وذلتهم ويحتمل أنه شبههم به لتساقطهم في جهنم كما يتساقط الفراش في المصباح قال بعض العلماء الناس في أول قيامهم من القبور كالفراش المبثوث لأنهم يجيئون ويذهبون على غير نظام ثم يدعوهم الداعي فيتوجهون إلى ناحية المحشر فيكونون حينئذ كالجراد المنتشر لأن الجراد يقصد إلى جهة واحدة وقيل الفراش هنا الجراد الصغير وهو ضعيف * (وتكون الجبال كالعهن المنفوش) * العهن هو الصوف وقيل الصوف الأحمر وقيل الصوف الملون ألوانا شبه الله الجبال يوم القيامة به لأنها تنسف فتصير لينة وعلى القول بأنه الملون يكون التشبيه أيضا من طريق اختلاف ألوان الجبال لأن منها بيضاء وحمراء وسوداء * (من ثقلت موازينه) * هو جمع ميزان أو جمع موزون وميزان الأعمال يوم القيامة له لسان وكفتان عند الجمهور وقال قوم هو عبارة عن العدل * (في عيشة راضية) * معناه ذات رضا عند سيبوية وثقل الموازين بكثرة الحسنات وخفتها بقلتها ولا يخف ميزان مؤمن خفة موبقة لأن الإيمان يوزن فيه * (فأمه هاوية) * فيه ثلاثة أقوال أحدها أن الهاوية جهنم سميت بذلك لأن الناس يهوون فيها أي يسقطون وأمه معناه مأواه كقولك المدينة أم فلان أي مسكنه على التشبيه بالأم الوالدة لأنها مأوى الولد ومرجعه الثاني أن الأم هي الوالدة وهاوية ساقطة وذلك عبارة عن هلاكه كقولك أمه ثكلى إذا هلك الثالث أن المعنى أم رأسه هاوية في جهنم أي ساقطة فيها لأنه يطرح فيها منكوسا وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل لا أم لك فقال يا رسول الله تدعوني إلى الهدى وتقول لي لا أم لك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أردت لانار لك قال الله تعالى * (فأمه هاوية) * وهذا يؤيد القول الأول * (وما أدراك ما هيه) * الهاء للسكت والضمير لجهنم على القول بأنها الهاوية وهو للفعلة والخصلة التي يراد بها العذاب على القول الثاني والثالث والمقصود تعظيمها ثم فسرها بقوله * (نار حامية) *
(٢١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 220 ... » »»