ولا أنا عابد ما عبدتم يريد به فيما يضي أي ما كنت قط عابدا ما عبدتم فيما سلف فكيف تطلبون ذلك مني الآن الثاني قاله ابن عطية وهو أن قوله لا أعبد ما تعبدون لما كان يحتمل أن يراد به زمان الحال خاصة قال ولا أنا عابد ما عبدتم أي أبدا ما عشت لأن لا النافية إذا دخلت على الفعل المضارع خلصته للاستقبال بقوله لا أعبد لا يحتمل أن يراد به الحال ويحتمل عندي أن يكون قوله لا أعبد ما تعبدون يراد به في المستقبل على حسب ما تقتضيه لامن الاستقبال ويكون قوله ولا أنا عابد ما عبدتم يريد به في الحال فيحصل من المجموع نفي عبادته للأصنام في الحال والاستقبال ومعنى الحال في قوله ولا أنا عابد ما عبدتم ثم أظهر من معنى المضي الذي قاله الزمخشري ومن معنى الاستقبال فان قولك ما زيد بقائم بنفي الجملة الاسمية يقتضي الحال * (ولا أنتم عابدون ما أعبد) * هذا إخبار أن هؤلاء الكفار لا يعبدون الله كما قيل لنوح إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن إلا أن هذا في حق قوم مخصوصين ماتوا على الكفر وقد روى أن هؤلاء الجماعة المذكورين هم أبو جهل والوليد بن المغيرة والعاصي بن وائل والأسود بن المطلب وأمية بن خلف وأبى بن خلف وابن الحجاج وكلهم ماتوا كفارا فإن قيل لم قال ما أعبد بما دون من التي هي موضوعة لمن يعقل فالجواب من ثلاثة أوجه أحدها أن ذلك لمناسبة قوله لا أعبد ما تعبدون فإن هذا واقع على الأصنام التي لا تعقل ثم جعل ما أعبد على طريقته لتناسب اللفظ الثاني أنه أراد الصفة كأنه قال لا أعبد الباطل ولا تعبدون الحق قاله الزمخشري الثالث أن ما مصدرية والتقدير لا أعبد عبادتكم ولا تعبدون عبادتي وهذا ضعيف فإن قيل لم كرر هذا المعنى واللفظ فقال بعد ذلك ولا أنتم عابدون ما أعبد مرة أخرى فالجواب من وجهين أحدهما قول الزمخشري وهو أن الأول في المستقبل والثاني فيما مضى والآخر قاله ابن عطية وهو أن الأول في الحال والثاني في الاستقبال فهو حتم عليهم أن لا يؤمنوا أبدا * (لكم دينكم ولي دين) * أي لكم شرككم ولي توحيدي وهذه براءة منهم وفيها مسالمة منسوخة بالسيف سورة النصر سأل عمر بن الخطاب جماعة من الصحابة رضي الله عنهم عن معنى هذا السورة فقالوا إن الله أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتسبيح والاستغفار عند النصر والفتح وذلك على ظاهر لفظها فقال لابن عباس بمحضرهم يا عبد الله ما تقول أنت قال هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه الله بقربه إذا رأى النصر والفتح فقال عمر ما أعلم منها إلا ما علمت وقد قال بهذا المعنى ابن مسعود وغيره ويؤيده قول عائشة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة وأسلم العرب جعل يكثر أن يقول سبحانك اللهم وبحمدك اللهم إني أستغفرك يتأول القرآن أي هذه السورة وقال لها مرة ما أراه إلا حضور أجلي وقال ابن عمر نزلت هذه السورة بمعنى أيام التشريق في حجة الوداع وعاش رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدها ثمانين يوما أو نحوها وقال ابن مسعود هذه السورة تسمى سورة التوديع * (إذا جاء نصر الله والفتح) * يعني بالفتح فتح مكة والطائف وغيرهما من البلاد التي فتحها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ابن عباس إن النصر صلح الحديبية والفتح فتح مكة وقيل النصر إسلام أهل
(٢٢١)