مسلما من الرجال والنساء فنسخ الله أمر النساء بهذه الآية ومنع من رد المؤمنة إلى الكفار إذا هاجرت إلى المسلمين وكانت المرأة التي هاجرت حينئذ أميمة بنت بشر امرأة حسان بن الدحداحة وقيل سبيعة الأسلمية ولما هاجرت جاء زوجها فقال يا محمد ردها علينا فإن ذلك في الشرط الذي لنا عليك فنزلت الآية فامتحنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يردها وأعطى مهرها لزوجها وقيل نزلت في أم كلثوم بنت عقبة ابن أبي معيط هربت من زوجها إلى المسلمين واختلف في الرجال هل حكمهم في ذلك كالنساء فلا تجوز المهادنة على رد من أسلم منهم أو يجوز حتى الآن على قولين والأظهر الجواز لأنه إنما نسخ ذلك في النساء " لاهن حل لهم ولا هم يحلون لهن " هذا تعليل للمنع من رد المرأة إلى الكفار وفيه دليل على ارتفاع النكاح بين المشركين والمسلمات * (وآتوهم ما أنفقوا) * يعني أعطوا الكفار ما أعطوا نساءهم من الصدقات إذا هاجرن ثم أباح للمسلمين تزوجهن بالصداق * (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) * العصم جمع عصمة أي النكاح فأمر الله المسلمين أن يفارقوا نساءهم الكوافر يعني المشركات من عبدة الأوثان فالآية على هذا محكمة وقيل يعني كل كافرة فعلى هذا نسخ منها جواز تزوج الكتابيات لقوله والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وروى أن الآية نزلت في امرأة لعمر بن الخطاب كانت كافرة فطلقها * (واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا) * أي اطلبوا من الكفار ما أنفقتم من الصدقات على أزواجكم اللاتي فررن إلى الكفار وليطلب الكفار منكم ما أنفقوا على أزواجهم اللاتي هاجرن إلى المسلمين " وإن فاتكم شئ من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا " معنى فاتكم شئ من أزواجكم إلى الكفار هروب نساء المسلمين إلى الكفار والخطاب في قوله فعاقبتم وآتوا الذين ذهبت أزواجهم للمسلمين وقوله عاقبتم ليس من العقاب على الذنب وإنما هو من العقبى أي أصبتم عقبى وهي الغنيمة أو من التعاقب على الشئ كما يتعاقب الرجلان على الدابة إذا ركبها هذا مرة وهذا مرة أخرى فلما كان نساء المسلمين يهربون إلى الكفار ونساء الكفار يهربون إلى المسلمين جعل ذلك كالتعاقب على النساء وسبب الآية أنه لما قال الله واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا قالوا الكفار لا يرضى بهذا الحكم ولا نعطي صداق من هربت زوجته إلينا من المسلمين فأنزل الله هذه الآية الأخرى وأمر الله المسلمين أن يدفعوا الصداق لمن هربت زوجته إلينا من المسلمين إلى الكفار ويكون هذا المدفوع من مال الغنائم على قول من قال إن معنى فعاقبتم غنمتم وقيل من مال الفئ وقيل من الصدقات التي كانت تدفع للكفار إذا فر أزواجهم إلى المسلمين فأزال الله دفعها إليهم حين لم يرضوا حكمه وهذه الأحكام التي تضمنتها هذه الآية قد ارتفعت لأنها نزلت في قضايا معينة وهي مهادنة النبي صلى الله عليه وسلم مع مشركي العرب ثم زالت هذه الأحكام بارتفاع الهدنة فلا تجوز مهادنة المشركين من العرب إنما هو في حقهم الإسلام أو السيف وإنما تجوز مهادنة أهل الكتاب والمجوس لأن الله قال في المشركين اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وقال في أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية وقال النبي صلى الله عليه وسلم
(١١٥)