ذلك إلى الكفار في قوله يخربون لأنه كان بسبب كفرهم وغدرهم وأما إخراب الكفار لبيوتهم فلثلاثة مقاصد أحدها حاجتهم إلى الخشب والحجارة ليسدوا بها أفواه الأرقة ويحصنوا ما خربه المسلمون من الأسوار والثاني ليحملوا معهم ما أعجبهم من الخشب والسواري وغير ذلك الثالث أن لا تبقى مساكنهم مبنية للمسلمين فهدموها شحا عليها * (فاعتبروا يا أولي الأبصار) * استدل الذين أثبتوا القياس في الفقه بهذه الآية واستدلالهم بها ضعيف خارج عن معناها * (ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا) * الجلاء هو الخروج عن الوطن فالمعنى لولا أن كتب الله على بني النضير خروجهم عن أوطانهم لعذبهم في الدنيا بالسيف كما فعل بإخوانهم بني قريظة ولهم مع ذلك عذاب النار * (شاقوا) * ذكر في الأنفال * (ما قطعتم من لينة) * اللينة هي النخلة وقيل هي الكريمة من النخل وقيل النخلة التي ليست بعجوة وقيل ألوان النخل المختلط وسبب الآية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل على حصون بني النضير قطع المسلمون بعض نخلهم وأحرقوه فقال بنو النضير ما هذا إلا فساد يا محمد وأنت تنهى عن الفساد فنزلت الآية معلمة أن كل ما جرى من قطع أو إمساك فإن الله أذن للمسلمين في ذلك * (ليخزي الفاسقين) * يعني بني النضير واستدل بعض الفقهاء بهذه الآية على أن كل مجتهد مصيب فإن الله قد صوب فعل من قطع النخل ومن تركها واختلف العلماء في قطع شجر المشركين وتخريب بلادهم فأجازه الجمهور لهذه الآية ولإقرار رسول الله صلى الله عليه وسلم على تحريق نخل بني النضير وكرهه قوم لوصية أبى بكر الصديق رضي الله عنه الجيش الذي وجهه إلى الشام أن لا يقطعوا شجرا مثمرا " وماأفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب " معنى أفاء الله جعله فيئا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأوجفتم من الوجيف وهو سرعة السير والركاب هي الإبل والمعنى أن ما أعطى الله رسوله من أموال بني النضير لم يمش المسلمون إليه بخيل ولا إبل ولا تعبوا فيه ولا حصلوه بقتال ولكن حصل بتسليط رسوله صلى الله عليه وسلم على بني النضير فأعلم الله من هذه الآية أن ما أخذه من بني النضير وما أخذه من فدك فهو فئ خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم يفعل فيه ما يشاء لأنه لم يوجف عليها ولا قوتلت كبير قتال فهما بخلاف الغنيمة التي تؤخذ بالقتال فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه من أموال بني النضير قوت عياله وقسم سائرها في المهاجرين ولم يعط الأنصار منها شيئا غير أن أبا دجانة وسهل بن حنيف شكوا فاقة فأعطاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم منها سهما هذا قول جماعة وقال عمر بن الخطاب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق منها على أهله نفقه سنة وما بقي جعله في السلاح والكراع عدة في سبيل الله وقال قوم من العلماء وكذلك كل ما فتحه الأئمة مما لم يوجف عليه فهو لهم خاصة يأخذون منه حاجتهم ويصرفون باقيه في مصالح المسلمين
(١٠٧)