التسهيل لعلوم التنزيل - الغرناطي الكلبي - ج ٣ - الصفحة ٥٨
سورة النور * (سورة أنزلناها) * السورة خبر ابتداء مضمر أو مبتدأ وخبره محذوف تقديره فيما أنزل عليكم سورة وأنزلناها صفة للسورة * (وفرضناها) * أي فرضنا الأحكام التي فيها وقرئ بالتشديد للمبالغة * (آيات بينات) * يعني ما فيها من المواعظ والأحكام والأمثال وقيل معنى بينات هنا ليس فيها مشكل * (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) * الزانية والزاني يراد بهما الجنس وقدم الزانية لأن الزنا كان حينئذ في النساء أكثر فإنه كان منهن إماء وبغايا يجاهرن بذلك وإعراب الزاني والزانية كإعراب السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما وقد ذكر في المائدة وهذه الآية ناسخة بإجماع لما في سورة النساء من الإمساك في البيوت في الآية الواحدة ومن الأذى في الأخرى ثم إن لفظ هذه الآية عند مالك ليس على عمومه فإن جلد المائدة إنما هو حد الزاني والزانية إذا كانا مسلمين حرين غير محصنين فيخرج منها الكفار فيردون إلى أهل دينهم ويخرج منها العبد والأمة والمحصن والمحصنة فأما العبد والأمة فحدهما خمسون جلدة سواء كانا محصنين أو غير محصنين وأما المحصنان الحران فحدهما الرجم هذا على مذهب مالك وأما الكلام على الآية بالنظر إلى سائر المذاهب فاعلم أن لفظ هذه الآية ظاهره العموم في المسلمين والكافرين وفي الأحرار والعبيد والإماء وفي المحصن وغير المحصن ثم إن العلماء خصصوا من هذا العموم أشياء منها باتفاق ومنها باختلاف فأما الكفار فرأى أبو حنيفة وأهل الظاهر أن حدهم جلد مائة أحصنوا أو لم يحصنوا أخذا بعموم الآية ورأى الشافعي أن حدهم كحد المسلمين الجلد إن لم يحصنوا والرجم إن أحصنوا أخذا بالآية وبرجم النبي صلى الله عليه وسلم لليهودي واليهودية إذ زنيا ورأى مالك أن يردوا إلى أهل دينهم لقوله تعالى في سورة النساء * (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم) * فخص نساء المسلمين على أنها قد نسختها هذه ولكن بقيت في محلها وأما العبد والأمة فرأى أهل الظاهر أن حد الأمة خمسون جلدة لقوله تعالى * (فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) * وأن حد العبد الجلد مائة لعموم الآية وقال غيرهم يجلد العبد خمسين بالقياس على الأمة إذ لا فرق بينهما وأما المحصن فقال الجمهور حده الرجم فهو مخصوص في هذه الآية وبعضهم يسمي هذا التخصيص نسخا ثم اختلفوا في المخصص أو الناسخ فقيل الآية التي ارتفع لفظها وبقي حكمها وهي قوله الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم وقيل الناسخ لها السنة الثابتة في الرجم وقال أهل الظاهر وعلي بن أبي طالب يجلد المحصن بالآية ثم يرجم بالسنة فجمعوا عليه الحدين ولم يجعلوا الآية منسوخة ولا مخصصة وقال الخوارج لا رجم أصلا فإن الرجم ليس في كتاب الله ولا يعتد بقولهم وظاهر الآية الجلد دون تغريب وبذلك قال أبو حنيفة وقال مالك الجلد والتغريب سنة للحديث وهو قوله صلى الله عليه وسلم البكر بالبكر جلد مائة وتغريب
(٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 ... » »»