التسهيل لعلوم التنزيل - الغرناطي الكلبي - ج ٣ - الصفحة ٥٤
على الحال فمن جعل الضمير في به للنبي صلى الله عليه وسلم فالمعنى أنهم سامرون بذكره وسبه * (تهجرون) * من قرأ بضم التاء وكسر الجيم فمعناه تقولون الهجر بضم الهاء وهو الفحش من الكلام ومن قرأ بفتح التاء وضم الجيم فهو من الهجر بفتح الهاء أي تهجرون الإسلام والنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أو من قولك هجر المريض إذا هذى أي تقولون اللغو من القول * (أفلم يدبروا القول) * يعني القرآن وهذا توبيخ لهم * (أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين) * معناه أن النبوة ليست ببدع فينكرونها بل قد جاءت آباؤهم الأولين فقد كانت النبوة لنوح وإبراهيم وإسماعيل وغيرهم * (أم لم يعرفوا رسولهم) * المعنى أم لم يعرفوا محمدا صلى الله عليه وسلم ويعلموا أنه أشرفهم حسبا وأصدقهم حديثا وأعظمهم أمانة وأرجحهم عقلا فكيف ينسبونه إلى الكذب أو إلى الجنون أو غير ذلك من النقائص مع أنه جاءهم بالحق الذي لا يخفى على كل ذي عقل سليم وأنه عين الصواب * (ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض) * الاتباع هنا استعارة والحق هنا يراد به الصواب والأمر المستقيم فالمعنى لو كان الأمر على ما تقتضي أهواءهم من الشرك بالله واتباع الباطل لفسدت السماوات والأرض كقوله * (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) * وقيل إن الحق في الآية هو الله تعالى وهذا بعيد في المعنى وإنما حمله عليه أن جعل الاتباع حقيقة ولم يفهم فيه الاستعارة وإنما الحق هنا هو المذكور في قوله * (بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون) * * (بل أتيناهم بذكرهم) * يحتمل أن يكون بتذكيرهم ووعظهم أو بفخرهم وشرفهم وهذا أظهر * (أم تسألهم خرجا) * الخرج هو الأجرة ويقال فيه خراج والمعنى واحد وقرئ بالوجهين في الموضعين فهو كقوله أم تسألهم أي لست تسألهم أجرا فيثقل عليهم اتباعك * (فخراج ربك خير) * أي رزق ربك خير من أموالهم فهو يرزقك ويغنيك عنهم * (عن الصراط لناكبون) * أي عادلون ومعرضون عن الصراط المستقيم * (ولو رحمناهم) * الآية قال الأكثرون نزلت هذه الآية حين دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على قريش بالقحط فنالهم الجوع حتى أكلوا الجلود وغيرها فالمعنى رحمناهم بالخصب وكشفنا ما بهم من ضر الجوع والقحط لتمادوا على طغيانهم وفي هذا عندي نظر فإن الآية مكية باتفاق وإنما دعا النبي صلى الله عليه وسلم على قريش بعد الهجرة حسبما ورد في الحديث وقيل المعنى لو رحمناهم بالرد إلى الدنيا لعادوا لما نهوا عنه وهذا القول لا يلزم عليه ما يلزم على الآخر ولكنه خرج عن معنى الآية * (ولقد أخذناهم بالعذاب) * قيل إن هذا العذاب هو الجوع بالقحط وأن الباب ذا العذاب الشديد المتوعد به بعد هذا يوم بدر وهذا مردود بأن العذاب الذي أصابهم إنما كان بعد بدر وقيل إن العذاب الذي أخذهم هو يوم بدر والباب المتوعد به هو القحط وقيل الباب ذو العذاب الشديد عذاب الآخرة وهذا أرجح ولذلك وصفه بالشدة لأنه أشد من عذاب الدنيا وقال إذ هم فيه مبلسون أي
(٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 ... » »»