التسهيل لعلوم التنزيل - الغرناطي الكلبي - ج ٣ - الصفحة ٦٩
من شدة الهول والخوف وقيل تفقه القلوب وتبصر الأبصار بعد العمى لأن الحقائق تنكشف حينئذ والأول أصح كقوله وإذا زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وفي قوله تتقلب فيه القلوب تجنيس * (ليجزيهم الله) * متعلق بما قبله أو بفعل من معنى ما قبله * (أحسن ما عملوا) * تقديره جزاء أحسن ما عملوا * (ويزيدهم من فضله) * يعني زيادة على ثواب أعمالهم * (بغير حساب) * ذكر في البقرة * (والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة) * لما ذكر الله حال المؤمنين أعقب ذلك بمثالين لأعمال الكافرين الأول يقتضي حال أعمالهم في الآخرة وأنها لا تنفعهم بل يضمحل ثوابها كما يضمحل السراب والثاني يقتضي حال أعمالهم في الدنيا وأنها في غاية الفساد والضلال كالظلمات التي بعضها فوق بعض والسراب هو ما يرى في الفلوات من ضوء الشمس في الهجيرة حتى يظهر كأنه ماء يجري على وجه الأرض والقيعة جمع قاع وهو المنبسط من الأرض وقيل بمعنى القاع وليس بجمع * (يحسبه الظمآن ماء) * الظمآن العطشان أي يظن العطشان أن السراب ماء فيأتيه ليشربه فإذا جاء خاب ما أمل وبطل ما ظن وكذلك الكافر يظن أن أعماله تنفعه فإذا كان يوم القيامة لم تنفعه فهي كالسراب * (حتى إذا جاءه) * ضمير الفاعل للظمآن وضمير المفعول للسراب أو ضمير الفاعل للكافر وضمير المفعول لعمله * (لم يجده شيئا) * أي شيئا ينتفع به أو شيئا موجودا على العموم لأنه معدوم ويحتمل أن يكون ضمير الفاعل للظمآن وضمير المفعول للسراب أو ضمير الفاعل للكافر وضمير المفعول لعمله * (ووجد الله عنده) * ضمير الفاعل في وجد للكافر والضمير في عنده لعمله والمعنى وجد الله عنده بالجزاء أو وجد زبانية الله * (أو كظلمات) * هذا هو المثال الثاني وهو عطف على قوله كسراب والمشبه بالظلمات أعمال الكافر أي هم من الضلال والحيرة في مثل الظلمات المجتمعة من ظلمة البحر تحت الموج تحت السحاب * (في بحر لجي) * منسوب إلى اللج وهو معظم الماء وذهب بعضهم إلى أن أجزاء هذا المثال قوبلت به أجزاء الممثل به فالظلمات أعمال الكافر والبحر اللجي صدره والموج جهله والسحاب الغطاء الذي على قلبه وذهب بعضهم إلى أنه تمثيل بالجملة من غير مقابلة وفي وصف هذه الظلمات بهذه الأوصاف مبالغة كما أن وصف النور المذكور قبلها مبالغة * (إذا أخرج يده لم يكد يراها) * المعنى مبالغة في وصف الظلمة والضمير في أخرج وما بعده للرجل الذي وقع في الظلمات الموصوفة واختلف في تأويل الكلام فقيل المعنى إذا أخرج يده لم يقارب رؤيتها فنفى الرؤية ومقاربتها وقيل بل رآها بعد عسر وشدة لأن كاد إذا نفيت تقتضي الإيجاب وإذا أوجبت تقتضي النفي وقال ابن عطية إنما ذلك إذا دخل حرف النفي على الفعل الذي بعدها فأما إذا دخل حرف النفي على كاد كقوله لم يكد فإنه يحتمل النفي والإيجاب * (ومن لم يجعل الله له نورا) * أي من لم يهده الله لم يهتد فالنور كناية عن الهدى والإيمان في الدنيا وقيل أراد في الآخرة أي من لم يرحمه الله فلا رحمة له والأول أليق بما قبله " ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات ومن في الأرض " الرؤية هنا بمعنى العلم والتسبيح التنزيه والتعظيم وهو من العقلاء بالنطق وأما تسبيح الطير وغيرها مما لا يعقل فقال الجمهور إنه حقيقي ولا يبعد أن
(٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 ... » »»