التسهيل لعلوم التنزيل - الغرناطي الكلبي - ج ٣ - الصفحة ١١١
وهو نبيهم لأن كل نبي يشهد على أمته * (هاتوا برهانكم) * أي هاتوا حجتكم على ما كنتم عليه من الكفر وذلك إعذار لهم وتوبيخ وتعجيز * (إن قارون كان من قوم موسى) * أي من بني إسرائيل وكان ابن عم موسى وقيل ابن عمته وقيل ابن خالته * (فبغى عليهم) * أي تكبر وطغى ومن ذلك كفره بموسى عليه السلام * (وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة) * المفاتح هي التي يفتح بها وقيل هي الخزائن والأول أظهر والعصبة جماعة الرجال من العشرة إلى الأربعين وتنوء معناه تثقل يقال ناء به الحمل إذا أثقله وقيل معنى تنوء تنهض بتحامل وتكلف والوجه على هذا أن يقال إن العصبة تنوء بالمفاتح لكنه قلب كما جاء قلب الكلام عن العرب كثيرا ولا يحتاج إلى قلب على القول الأول * (لا تفرح) * الفرح هنا هو الذي يقود إلى الإعجاب والطغيان ولذلك قال إن الله لا يحب الفرحين وقيل السرور بالدنيا لأنه لا يفرح بها إلا من غفل عن الآخرة ويدل على هذا قوله ولا تفرحوا بما آتاكم * (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة) * أي اقصد الآخرة بما أعطاك الله من المال وذلك بفعل الحسنات والصدقات * (ولا تنس نصيبك من الدنيا) * أي لا تضيع حظك من دنياك وتمتع بها مع عملك للآخرة وقيل معناه لا تضيع عمرك بترك الأعمال الصالحات فإن حظ الإنسان من الدنيا إنما هو بما يعمل فيها من الخير فالكلام على هذا وعظ وعلى الأول إباحة للتمتع بالدنيا لئلا ينفر عن قبول الموعظة * (وأحسن كما أحسن الله إليك) * أي أحسن إلى عباد الله كما أحسن الله إليك بالغنى قال * (إنما أوتيته على علم عندي) * لما وعظه قومه أجابهم بهذا على وجه الرد عليهم والروغان عما ألزموه من الموعظة والمعنى أن هذا المال إنما أعطاه الله لي بالاستحقاق له بسبب علم عندي استوجبته به واختلف في هذا العلم فقيل إنه علم الكيمياء وقيل التجارب للأمور والمعرفة بالمكاسب وقيل حفظه التوراة وهذا بعيد لأنه كان كافرا قيل المعنى إنما أوتيته على علم من الله وتخصيص خصني به ثم جعل قوله عندي كما تقول في ظني واعتقادي " أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون " هذا رد عليه في اغتراره بالدنيا وكثرة جمعه للمال أو جمعه للخدم والأول أظهر * (ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون) * في معناه قولان أحدهما أنه متصل بما قبله والضمير في ذنوبهم يعود على القرون المتقدمة والمجرمون من بعدهم أي لا يسأل المجرمون عن ذنوب من تقدمهم من الأمم الهالكة لأن كل أحد إنما يسأل عن ذنوبه خاصة والثاني أنه إخبار عن حال المجرمين في الآخرة وأنهم لا يسألون عن ذنوبهم لكونهم يدخلون النار من غير حساب والصحيح أنهم يحاسبون على ذنوبهم ويسئلون عنها لقوله " فوربك لنسئلنهم أجمعين عما كانوا يعملون " وأن هذا السؤال المنفي السؤال على وجه الاختبار وطلب التعريف لأنه لا يحتاج إلى سؤالهم على هذا الوجه لكن يسألون على وجه التوبيخ وحيثما ورد في القرآن إثبات السؤال في الآخرة فهو على معنى المحاسبة والتوبيخ وحيثما ورد نفيه فهو على وجه
(١١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 ... » »»