التسهيل لعلوم التنزيل - الغرناطي الكلبي - ج ١ - الصفحة ٤١
الثانية المقصود الأعظم من هذه الآية الأمر بتوحيد الله وترك ما عبد من دونه لقوله في آخرها فلا تجعلوا لله أندادا وذلك هو الذي يترجم عنه بقولنا لا إله إلا الله فيقتضى ذلك الأمر بالدخول في دين الإسلام الذي قاعدته التوحيد وقول لا إله إلا الله تكون في القرآن ذكر المخلوقات والتنبيه على الاعتبار في الأرض والسماوات والحيوان والنبات والرياح والأمطار والشمس والقمر والليل والنهار وذلك أنها تدل بالعقل على عشرة أمور وهي أن الله موجود لأن الصنعة دليل على الصانع لا محالة وأنه واحد لا شريك له لأنه لا خالق إلا هو * (أفمن يخلق كمن لا يخلق) * وأنه حي قدير عالم مريد لأن هذه الصفات الأربع من شروط الصانع إذ لا تصدر صنعة عمن عدم صفة منها وأنه قديم لأنه صانع للمحدثات فيستحيل أن يكون مثلها في الحدوث وأنه باق لأن ما ثبت قدمه استحال عدمه وأنه حكيم لأن آثار حكمته ظاهرة في إتقانه للمخلوقات وتدبيره للملكوت وأنه رحيم لأن في كل ما خلق منافع لبني آدم سخر لهم ما في السماوات وما في الأرض وأكثر ما يأتي ذكر المخلوقات في القرآن في معرض الاستدلال على وجوده تعالى وعلى وحدانيته فإن قيل لم قصر الخطاب بقوله لعلكم تتقون على المخاطبين دون الذين من قبلهم مع أنه أمر الجميع بالتقوى فالجواب أنه لم يقصره عليهم ولكنه غلب المخاطبين على الغائبين في اللفظ والمراد الجميع فإن قيل هلا قال لعلكم تعبدون مناسبة لقوله اعبدوا فالجواب أن التقوى غاية العبادة وكمالها فكان قوله لعلكم تتقون أبلغ وأوقع في النفوس * (وإن كنتم في ريب) * الآية إثبات لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم بإقامة الدليل على أن القرآن جاء به من عند الله فلما قدم إثبات الألوهية أعقبها بإثبات النبوة فإن قيل كيف قال إن كنتم في ريب ومعلوم أنهم كانوا في ريب وفي تكذيب فالجواب أنه ذكر حرف إن إشارة إلى أن الريب بعيد عند العقلاء في مثل هذا الأمر الساطع البرهان فلذلك وضع حرف التوقع والاحتمال في الأمر الواقع ليعد وقوع الريب وقبحه عند العقلاء وكما قال تعالى * (لا ريب فيه) * على عبدنا هو النبي صلى الله عليه وسلم والعبودية على وجهين عامة وهي التي بمعنى الملك وخاصة وهي التي يراد بها التشريف والتخصيص وهي من أوصاف أشراف العباد ولله در القائل (لا تدعني إلا بياعبدها * فإنه أشرف أسمائي) * (فأتوا بسورة) * أمر يراد به التعجيز * (من مثله) * الضمير عائد على ما أنزلنا وهو القرآن ومن لبيان الجنس وقيل يعود على النبي صلى الله عليه وسلم فمن على هذا لابتداء الغاية من بشر مثله والأول أرجح لتعيينه في يونس وهود وبمعنى مثله في فصاحته وفيما تضمنه من العلوم والحكم العجيبة والبراهين الواضحة * (شهداءكم) * آلهتكم أو أعوانكم أو من يشهد لكم * (من دون الله) * أي غير الله وقيل هو من الدين الحقير فهو مقلوب اللفظ * (ولن تفعلوا) * اعتراض بين الشرط وجوابه فيه مبالغة وبلاغة وهو إخبار ظهير مصداقه في الوجود إن لم يقدر أحد أن يأتي بمثل القرآن مع فصاحة العرب في زمان نزوله وتصرفهم في الكلام وحرصهم على التكذيب وفي الإخبار بذلك معجزة أخرى وقد اختلف في عجز الخلق عنه على قولين أحدهما أنه ليس في قدرتهم الإتيان بمثله وهو الصحيح والثاني أنه كان في قدرتهم وصرفوا عنه والإعجاز حاصل على الوجهين
(٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 ... » »»