بكم عمي) يحتمل أن يراد به المنافقون والمستوقد المشبه بهم وهذه الأوصاف مجاز عبارة عن عدم انتفاعهم بسمعهم وأبصارهم وكلامهم وليس المراد فقد الحواس * (فهم لا يرجعون) * إن أريد به المنافقون فمعناه لا يرجعون إلى الهدى وإن أريد به أصحاب النار فمعناه أنهم متحيرون في الظلمة لا يرجعون ولا يهتدون إلى الطريق * (أو كصيب) * عطف على الذي استوقد والتقدير أو كصاحب صيب أو للتنويع لأن هذا مثل آخر ضربه الله للمنافقين والصيب المطر وأصله صيوب ووزنه فعيل وهو مشتق من قولك صاب يصوب وفي قوله * (من السماء) * إشارة إلى قوته وشدة انصبابه قال ابن مسعود إن رجلين من المنافقين هربا إلى المشركين فأصابهما هذا المطر وأيقنا بالهلاك فعزما على الإيمان ورجعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحسن إسلامهما فضرب الله ما أنزل فيهما مثلا للمنافقين وقيل المعنى تشبيه المنافقين في حيرتهم في الدين وفي خوفهم على أنفسهم بمن أصابه مطر فيه ظلمات ورعد وبرق فضل عن الطريق وخاف الهلاك على نفسه وهذا التشبيه على الجملة وقيل إن التشبيه على التفصيل فالمطر مثل للقرآن أو الإسلام والظلمات مثل لما فيه من الإشكال على المنافقين والرعد مثل لما فيه من الوعيد والزجر لهم والبرق مثل لما فيه من البراهين الواضحة فإن قيل لم قال رعد وبرق بالإفراد ولم يجمعه كما جمع ظلمات فالجواب أن الرعد والبرق مصدران والمصدر لا يجمع ويحتمل أن يكونا اسمين وجمعهما لأنهما في الأصل مصدران * (يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق) * أي من أجل الصواعق قال ابن مسعود كانوا يجعلون أصابعهم في آذانهم لئلا يسمعوا القرآن في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم فهو على هذا حقيقة في المنافقين والصواعق على هذا ما يكرهون من القرآن والموت هو ما يتخوفونه فهما مجازان وقيل لأنه راجع لأصحاب المطر المشبه بهم فهو حقيقة فيهم والصواعق على هذا حقيقة وهي التي تكون من المطر من شدة الرعد ونزول قطعة نار والموت أيضا حقيقة وقيل إنه راجع للمنافقين على وجه التشبيه لهم في خوفهم بمن جعل أصابعه في آذانه من شدة الخوف من المطر والرعد فإن قيل لم قال أصابعهم ولم يقل أناملهم والأنامل هي التي تجعل في الآذان فالجواب أن ذكر الأصابع أبلغ لأنها أعظم من الأنامل ولذلك جمعها مع أن الذي يجعل في الآذان السبابة خاصة * (والله محيط بالكافرين) * أي لا يفوتونه بل هم تحت قهره وهو قادر على عقابهم * (يخطف أبصارهم) * إن رجع إلى أصحاب المطر وهم الذين شبه بهم المنافقين فهو بين في المعنى وإن رجع إلى المنافقين فهو تشبيه بمن أصابه البرق على وجهين أحدهما تكاد براهين القرآن تلوح لهم كما يضيء البرق وهذا مناسب لتمثيل البراهين بالبرق حسبما تقدم والآخر يكاد زجر القرآن ووعيده يأخذهم كما يكاد البرق يخطف أبصار أصحاب المطر المشبه بهم * (كلما أضاء لهم مشوا فيه) * إن رجع إلى أصحاب المطر فالمعنى أنهم يمشون بضوء البرق إذا لاح لهم وإن رجع إلى المنافقين فالمعنى أنه يلوح لهم من الحق ما يقربون به من الإيمان * (وإذا أظلم عليهم قاموا) * إن رجع إلى أصحاب المطر فالمعنى أنهم إذا زال عنهم الضوء وقفوا متحيرين لا يعرفون الطريق وإن رجع إلى المنافقين فالمعنى أنه إذا ذهب عنهم ما لاح لهم من الإيمان ثبتوا على كفرهم وقيل إن المعنى كلما صلحت أحوالهم في الدنيا قالوا
(٣٩)