التسهيل لعلوم التنزيل - الغرناطي الكلبي - ج ١ - الصفحة ٤٠
هذا دين مبارك فهذا مثل الضوء وإذا أصابتهم شدة أو مصيبة عابوا الدين وسخطوا فهذا مثل الظلمة فان قيل لم قال مع الإضاءة كلما ومع الظلام إذا فالجواب أنهم لما كانوا حراصا على المشي ذكر معه كلما لأنها تقتضي التكرار والكثرة * (ولو شاء الله) * الآية إن رجع إلى أصحاب المطر فالمعنى لو شاء الله لأذهب سمعهم بالرعد وأبصارهم بالبرق وإن رجع إلى المنافقين فالمعنى لو شاء الله لأوقع بهم العذاب والفضيحة وجاءت العبارة عن ذلك بإذهاب سمعهم وأبصارهم والباء للتعدية كما هي في قوله تعالى * (ذهب الله بنورهم) * * (يا أيها الناس) * الآية لما قدم اختلاف الناس في الدين وذكر ثلاث طوائف المؤمنين والكافرين والمنافقين أتبع ذلك بدعوة الخلق إلى عبادة الله وجاء بالدعوة عامة للجميع لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى جميع الناس * (اعبدوا ربكم) * يدخل فيه الإيمان به سبحانه وتوحيده وطاعته فالأمر بالإيمان به لمن كان جاحدا والأمر بالتوحيد لمن كان مشركا والأمر بالطاعة لمن كان مؤمنا * (لعلكم) * يتعلق بخلقكم أي خلقكم لتتقوه كقوله * (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) * أو بفعل مقدر من معنى الكلام أي دعوتكم إلى عبادة الله لعلكم تتقون وهذا أحسن وقيل يتعلق بقوله * (اعبدوا) * وهذا ضعيف وإن كانت لعل للترجي فتأويله أنه في حق المخلوقين جريا على عادة كلام العرب وإن كانت للمقاربة أو التعليل فلا إشكال والأظهر فيها أنها لمقاربة الأمر نحو عسى فإذا قالها الله فمعناها أطباع العباد وهكذا القول فيها حيث ما وردت في كلام الله تعالى * (الأرض فراشا) * تمثيل لما كانوا يقعدون وينامون عليها كالفراش فهو مجاز وكذلك السماء بناء * (من الثمرات) * من للتبعيض أو لبيان الجنس لأن الثمرات هو المأكول من الفواكه وغيرها والباء في به سببية أو كقولك كتبت بالقلم لأن الماء سبب في خروج الثمرات بقدرة الله تعالى * (فلا تجعلوا) * لا ناهية أو نافية وانتصب الفعل بإضمار أن بعد الفاء في جواب اعبدوا والأول أظهر * (أندادا) * يراد به هنا الشركاء المعبودون مع الله جل وعلا * (وأنتم تعلمون) * حذف مفعوله مبالغة وبلاغة أي وأنتم تعلمون وحدانيته بما ذكر لكم من البراهين وفي ذلك بيان لقبح كفرهم بعد معرفتهم بالحق ويتعلق قوله بلا تجعلوا بما تقدم من البراهين ويحتمل أن يتعلق بقوله * (اعبدوا) * والأول أظهر فوائد ثلاث الأولى هذه الآية ضمنت دعوة الخلق إلى عبادة الله بطريقتين أحدهما إقامة البراهين بخلقتهم وخلقة السماوات والأرض والمطر والسماوات والآخر ملاطفة جميلة بذكر ما لله عليهم من الحقوق ومن الإنعام فذكر أولا ربوبيته لهم ثم ذكر خلقته لهم وآبائهم لأن الخالق يستحق أن يعبد ثم ذكر ما أنعم الله به عليهم من جعل الأرض فراشا والسماء بناء ومن إنزال المطر وإخراج الثمرات لأن المنعم يستحق أن يعبد ويشكر وانظر قوله جعل لكم ورزقا لكم يدلك على ذلك لتخصيصه ذلك بهم في ملاطفة وخطاب بديع
(٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 ... » »»