التسهيل لعلوم التنزيل - الغرناطي الكلبي - ج ١ - الصفحة ١٧٠
على العفة أجاز نكاح المرأة الكتابية سواء كانت حرة أو أمة ومن حمله على الحرية أجاز نكاح الكتابية الحرة ومنع الأمة وهو مذهب مالك ولا تعارض بين هذه الآية وبين قوله * (ولا تنكحوا المشركات) * لأن هذه في الكتابيات والأخرى في المشركات وقد جعل بعض الناس هذه ناسخة لتلك وقيل بالعكس وقد تقدم معنى * (فآتوهن أجورهن) * ومعنى الأخدان * (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة) * الآية نزلت في غزوة المريسيع حين انقطع عقد عائشة رضي الله عنها فأقام الناس على التماسه وليسوا على ماء وليس معهم ماء فنزلت الرخصة في التيمم فقال أسيد بن حضير ما هذه بأول بركاتكم يا آل أبي بكر ولذلك سميت الآية آية التيمم وقد كان الوضوء مشروعا قبلها ثابتا بالسنة وقوله إذا قمتم إلى الصلاة معناه إذا أردتم القيام إلى الصلاة فتوضأوا أو ويقتضي ظاهرها وجوب تجديد الوضوء لكل صلاة وهو مذهب ابن سيرين وعكرمة ومذهب الجمهور أنه لا يجب واختلفوا في تأويل الآية على أربعة أقوال الأول أن وجوب تجديد الوضوء لكل صلاة منسوخ بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ صلى الصلوات الخمس يوم الفتح بوضوء واحد والثاني أن ما تقتضيه الآية من التجديد يحمل على الندب والثالث أن تقديرها إذا قمتم محدثين فإنما يجب على من أحدث والرابع أن تقديرها إذا قمتم من النوم * (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق) * ذكر في هذه الآية أربعة أعضاء اثنين محدودين وهما اليدان والرجلان واثنين غير محدودين وهما الوجه والرأس أما المحدودان فتغسل اليدان إلى المرفقين والرجلان إلى الكعبين وجوبا بإجماع فإن ذلك هو الحد الذي جعل الله لهما واختلف هل يجب غسل المرفقين مع اليدين وغسل الكعبين مع الرجلين أم لا وذلك مبني على معنى إلى فمن جعل إلى بمعنى مع في قوله إلى المرافق وإلى الكعبين أوجب غسلهما ومن جعلها بمعنى الغاية لم يوجب غسلهما واختلف في الكعبين هل هما اللذان عند معقد الشراك أو العظمان الناتئان في طرف الساق وهو أظهر لأنه ذكرهما بلفظ التثنية ولو كان اللذان عند معقد الشراك لذكرهما بلفظ الجمع كما ذكر المرافق لأنه على ذلك في كل رجل كعب واحد وأما غير المحدودين فاتفق على وجوب إيعاب الوجه وحده طولا من أول منابت الشعر إلى آخر الذقن أو اللحية وحده عرضا من الأذن إلى الأذن وقيل من العذار إلى العذار وأما الرأس فمذهب مالك وجوب إيعابه كالوجه ومذهب كثير من العلماء جواز الاقتصار على بعضه لما ورد في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على ناصيته ولكنهم اختلفوا في القدر الذي يجزئ على أقوال كثيرة " وامسحوا برؤوسكم " اختلف في هذه الباء فقال قوم إنها للتبعيض وبنوا على ذلك جواز مسح بعض الرأس وهذا القول غير صحيح عند أهل العربية وقال القرافي إنها باء الاستعانة التي تدخل على الآلات وأن المعنى امسحوا أيديكم برؤوسكم وهذا ضعيف لأن الرأس على هذا ما مسح لا ممسوح وذلك خلاف المقصود وقيل إنها زائدة وهو ضعيف لأن هذا ليس موضع زيادتها والصحيح عندي أنها باء الإلصاق التي توصل الفعل إلى مفعوله لأن المسح تارة يتعدى بنفسه وتارة بحرف الجر كقوله * (فامسحوا بوجوهكم) * وكقوله * (فطفق مسحا بالسوق والأعناق) * * (وأرجلكم إلى الكعبين) * قرىء وأرجلكم بالنصب عطفا على الوجوه والأيدي فيقتضي ذلك وجوب غسل الرجلين وقرئ بالخفض
(١٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 ... » »»