تفسير البيضاوي - البيضاوي - ج ٤ - الصفحة ٢٥٦
* (هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم) * لما بين أن القرآن لا يصح أن يكون مما تنزلت به الشياطين أكد ذلك بأن بين أن محمدا صلى الله عليه وسلم لا يصح ان يتنزلوا عليه من وجهين أحدهما أنه إنما يكون على شرير كذاب كثير الإثم فإن اتصال الإنسان بالغائبات لما بنيهما من التناسب والتواد وحال محمد صلى الله عليه وسلم على خلاف ذلك وثانيهما قوله * (يلقون السمع وأكثرهم كاذبون) * أي الأفاكون يلقون السمع إلى الشياطين فيتلقون منهم ظنونا وأمارات لنقصان علمهم فيضمون إليها على حسب تخيلاتهم أشياء لا يطابق أكثرها كما جاء في الحديث (الكلمة يخطفها الجني فيقرها فأذن وليه فيزيد فيها أكثر من مائة كذبه) ولا كذلك محمد صلى الله عليه وسلم فإنه أخبر ع مغيبات كثيرة لا تحصى وقد طابق كلها وقد فسر الأكثر بالكل لقوله تعالى * (كل أفاك أثيم) * والأظهر أن الأكثرية باعتبار أقوالهم على معنى أن هؤلاء قل من يصدق منهم فيما يحكي عن الجني وقيل الضمائر للشياطين أي يلقون السمع إلى الملاء العلى قبل أن يرجموا فيختطفون منهم بعض المغيبات ويوحون به إلى أوليائهم أو يلقون مسموعهم منهم إلى أوليائهم وأكثرهم كاذبون فيما يوحون به إليهم إذ يشمعونهم لا على نحو ما تكلمت به الملائكة لشرارتهم أو لقصور فهمهم أو ضبطهم أو إفهامهم * (والشعراء يتبعهم الغاوون) * وأتباع محمد صلى الله عليه وسلم ليسوا كذلك وهو استئناف أبطل كونه عليه الصلاة والسلام شاعرا وقرره بقوله * (ألم تر أنهم في كل واد يهيمون) * لأن أكثر مقدماتهم خيالات لا حقيقة لها وأغلب كلماتهم في النسيب بالحرم والغزل والإبتهار وتمزيق الأعراض والقدح في الأنساب والوعد الكاذب والافتخار الباطل ومدح من لا يستحقه والإطراء فيه وإليه أشار بقوله * (وأنهم يقولون ما لا يفعلون) * وكأنه لما كان إعجاز القرآن من جهة اللفظ
(٢٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 251 252 253 254 255 256 257 258 259 260 261 ... » »»