الثانية - قال بعض أهل التأويل: الآية فيها تقديم وتأخير، والمعنى (والذين يظهرون من نسائهم ثم يعودون) إلى ما كانوا عليه من الجماع (فتحرير رقبة) لما قالوا، أي فعليهم تحرير رقبة من أجل ما قالوا، فالجار في قوله: (لما قالوا) متعلق بالمحذوف الذي هو خبر الابتداء وهو عليهم، قال الأخفش. وقال الزجاج: المعنى ثم يعودون إلى إرادة الجماع من أجل ما قالوا. وقيل: المعنى الذين كانوا يظهرون من نسائهم في الجاهلية، ثم يعودون لما كانوا قالوه في الجاهلية في الاسلام فكفارة من عاد أن يحرر رقبة. الفراء:
اللام بمعنى عن والمعنى ثم يرجعون عما قالوا ويريدون الوطئ. وقال الأخفش: لما قالوا وإلى ما قالوا واحد، واللام وإلى يتعاقبان، قال: (الحمد لله الذي (1) هدانا لهذا) وقال:
(فاهدوهم إلى صراط (2) الجحيم) وقال: (بأن ربك أوحى (3) لها) وقال: (وأوحي إلى نوح (4)).
الثالثة - قوله تعالى: (فتحرير رقبة) أي فعليه إعتاق رقبة، يقال: حررته أي جعلته حرا. ثم هذه الرقبة يجب أن تكون كاملة سليمة من كل عيب، من كمالها إسلامها عند مالك والشافعي، كالرقبة في كفارة القتل. وعند أبي حنيفة وأصحابه تجزي الكافرة ومن فيها شائبة (5) رق كالمكاتبة وغيرها.
الرابعة - فإن أعتق نصفي عبدين فلا يجزيه عندنا ولا عند أبي حنيفة. وقال الشافعي يجزئ، لان نصف العبدين في معنى العبد الواحد، ولأن الكفارة بالعتق طريقها المال فجاز أن يدخلها التبعيض والتجزئ كالاطعام، ودليلنا قوله تعالى: (فتحرير رقبة) وهذا الاسم عبارة عن شخص واحد، وبعض الرقبة ليس برقبة، وليس ذلك مما يدخله التلفيق، لان العبادة المتعلقة بالرقبة لا يقوم النصف من رقبتين مقامها، أصله إذا أشترك رجلان في أضحيتين، ولأنه لو أمر رجلين أن يحجا عنه حجة لم يجز أن يحج عنه واحد منهما نصفها كذلك هذا، ولأنه لو أوصى بأن تشترى رقبة فتعتق عنه لم يجز أن يعتق عنه نصف عبدين، كذلك في مسألتنا وبهذا يبطل دليلهم. والاطعام وغيره لا يتجزى في الكفارة عندنا.