وقرأ أبو مجلز وأبو نهيك والأعرج وطلحة بن مصرف وقتادة (ونهر) بضمتين كأنه جمع نهار لا ليل لهم، كسحاب وسحب. قال الفراء: أنشدني بعض العرب:
إن تلك ليليا فإني نهر * متى أرى الصبح فلا أنتظر أي صاحب النهار. وقال آخر:
لولا الثريدان هلكنا بالضمر * ثريد ليل وثريد بالنهر (في مقعد صدق) أي مجلس حق لا لغو فيه ولا تأثيم وهو الجنة (عند مليك مقتدر) أي يقدر على ما يشاء. و (عند) هاهنا عندية القربة والزلفة والمكانة والرتبة والكرامة والمنزلة. قال الصادق: مدح الله المكان الصدق فلا يقعد فيه إلا أهل الصدق. وقرأ عثمان البتي (في مقاعد صدق) بالجمع، والمقاعد مواضع قعود الناس في الأسواق وغيرها. قال عبد الله بن بريدة:
إن أهل الجنة يدخلون كل يوم على الجبار تبارك وتعالى، فيقرءون القران على ربهم تبارك وتعالى، وقد جلس كل إنسان مجلسه الذي هو مجلسه، على منابر من الدر والياقوت والزبرجد والذهب والفضة بقدر أعمالهم، فلا تقر أعينهم بشئ قط كما تقر بذلك، ولم يسمعوا شيئا أعظم ولا أحسن منه، ثم ينصرفون إلى منازلهم، قريرة أعينهم إلى مثلها من الغد. وقال ثور بن يزيد عن خالد بن معدان: بلغنا أن الملائكة يأتون المؤمنين يوم القيامة فيقولون:
يا أولياء الله انطلقوا، فيقولون: إلى أين؟ فيقولون: إلى الجنة، فيقول المؤمنون: إنكم تذهبون بنا إلى غير بغيتنا. فيقولون: فما بغيتكم؟ فيقولون: مقعد صدق عند مليك مقتدر.
وقد روي هذا الخبر على الخصوص بهذا المعنى، ففي الخبر: أن طائفة من العقلاء بالله عز وجل تزفها الملائكة إلى الجنة والناس في الحساب، فيقولون للملائكة: إلى أين تحملوننا؟ فيقولون إلى الجنة. فيقولون: إنكم لتحملوننا إلى غير بغيتنا، فيقولون: وما بغيتكم؟ فيقولون:
المقعد الصدق مع الحبيب كما أخبر (في مقعد صدق عند مليك مقتدر) والله أعلم.
تم تفسير سورة (القمر) والحمد لله.