عليه الجمهور من الناس أنه رجل صالح من بني إسرائيل اسمه آصف بن برخيا، روى أنه صلى ركعتين، ثم قال لسليمان: يا نبي الله امدد بصرك فمد بصره نحو اليمن فإذا بالعرش، فما رد سليمان بصره إلا وهو عنده. قال مجاهد: هو إدامة النظر حتى يرتد طرفه خاسئا حسيرا. وقيل: أراد مقدار ما يفتح عينه ثم يطرف، وهو كما تقول: افعل كذا في لحظة عين، وهذا أشبه، لأنه إن كان الفعل من سليمان فهو معجزة، وإن كان من آصف أو من غيره من أولياء الله فهي كرامة، وكرامة الولي معجزة النبي. قال القشيري: وقد أنكر كرامات الأولياء من قال إن الذي عنده علم من الكتاب هو سليمان، قال للعفريت:
" أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ". وعند هؤلاء ما فعل العفريت فليس من المعجزات ولا من الكرامات، فإن الجن يقدرون على مثل هذا. ولا يقطع جوهر في حال واحدة مكانين، بل يتصور ذلك بأن يعدم الله الجوهر في أقصى الشرق ثم يعيده في الحالة الثانية، وهي الحالة التي بعد العدم في أقصى الغرب أو يعدم الأماكن المتوسطة ثم يعيدها. قال القشيري: ورواه وهب عن مالك. وقد قيل: بل جئ به في الهواء، قاله مجاهد. وكان بين سليمان والعرش كما بين الكوفة والحيرة. وقال مالك: كانت باليمن وسليمان عليه السلام بالشام. وفي التفاسير انخرق بعرش بلقيس مكانه الذي هو فيه ثم نبع بين يدي سليمان، قال عبد الله بن شداد: وظهر العرش من نفق تحت الأرض، فالله أعلم أي ذلك كان.
قوله تعالى: (فلما رآه مستقرا عنده) أي ثابتا عنده. (قال هذا من فضل ربى) أي هذا النصر والتمكين من فضل ربى. (ليبلوني) قال الأخفش: المعنى لينظر (أأشكر أم أكفر). وقال غيره: معنى " ليبلوني " ليتعبدني، وهو مجاز. والأصل في الابتلاء الاختبار أي ليختبرني أأشكر نعمته أم أكفرها (ومن شكر فإنما يشكر لنفسه) أي لا يرجع نفع ذلك إلا إلى نفسه، حيث استوجب بشكره تمام النعمة ودوامها والمزيد منها. والشكر قيد النعمة الموجودة، وبه تنال النعمة المفقودة. (ومن كفر فأن ربى غنى) أي عن الشكر (كريم) في التفضل.