الباقون بنونين وهو اختيار أبى عبيد، لأنها في كل المصاحف بنونين. وقد روى إسحاق عن نافع أنه كان يقرأ: " أتمدون " بنون واحدة مخففة بعدها ياء في اللفظ. قال ابن الأنباري: فهذه القراءة يجب فيها إثبات الياء عند الوقف، ليصح لها موافقة هجاء المصحف. والأصل في النون التشديد، فخفف التشديد من ذا الموضع كما خفف من:
أشهد أنك عالم، وأصله: أنك عالم. وعلى هذا المعنى بنى الذي قرأ: " يشاقون فيهم "، " أتحاجون في الله ". وقد قالت العرب: الرجال يضربون ويقصدون، وأصله يضربوني ويقصدوني، لأنه إدغام يضربونني ويقصدونني قال الشاعر:
ترهبين والجيد منك لليلى * والحشا والبغام (1) والعينان والأصل ترهبيني فخفف. ومعنى " أتمدونني " أتزيدونني ما لا إلى ما تشاهدونه من أموالي.
قوله تعالى: (فما آتاني الله خير مما اتاكم) أي فما أعطاني من الاسلام والملك والنبوة خير مما أعطاكم، فلا أفرح بالمال. و " آتان " وقعت في كل المصاحف بغير ياء. وقرأ أبو عمرو ونافع وحفص: " آتاني الله " بياء مفتوحة، فإذا وقفوا حذفوا. وأما يعقوب فإنه يثبتها في الوقف ويحذف في الوصل لالتقاء الساكنين. الباقون بغير ياء في الحالين.
(بل أنتم بهديتكم تفرحون) لأنكم أهل مفاخرة ومكاثرة في الدنيا.
قوله تعالى: (ارجع إليهم) أي قال سليمان للمنذر بن عمرو أمير الوفد، ارجع إليهم بهديتهم. (فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها) لام قسم والنون لها لازمة. قال النحاس:
وسمعت أبا الحسن بن كيسان يقول: هي لام توكيد وكذا كان عنده أن اللامات كلها ثلاث لا غير، لام توكيد، ولام أمر، ولام خفض، وهذا قول الحذاق من النحويين، لأنهم يردون الشئ إلى أصله: وهذا لا يتهيأ إلا لمن درب في العربية. ومعنى " لا قبل لهم بها " أي لا طاقة لهم عليها. (ولنخرجنهم منها) أي من أرضهم (أذلة وهم صاغرون).
وقيل: " منها " أي من قرية سبأ. وقد سبق ذكر القرية في قوله: " إن الملوك إذا دخلوا