قرية أفسدوها ". " أذلة " قد سلبوا ملكهم وعزهم. " وهم صاغرون " أي مهانون أذلاء من الصغر وهو الذل إن لم يسلموا، فرجع إليها رسولها فأخبرها، فقالت: قد عرفت أنه ليس بملك ولا طاقة لنا بقتال نبي من أنبياء الله. ثم أمرت بعرشها فجعل في سبعة أبيات بعضها في جوف بعض، في آخر قصر من سبعة قصور، وغلقت الأبواب، وجعلت الحرس عليه، وتوجهت إليه في اثنى عشر ألف قيل من ملوك اليمن، تحت كل قيل مائة ألف. قال ابن عباس: وكان سليمان مهيبا لا يبتدأ بشئ حتى يكون هو الذي يسأل عنه، فنظر ذات يوم رهجا (1) قريبا منه، فقال: ما هذا؟ فقالوا: بلقيس يا نبي الله.
فقال سليمان لجنوده - وقال وهب وغيره للجن - (أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين) وقال عبد الله بن شداد. كانت بلقيس على فرسخ من سليمان لما قال: " أيكم يأتيني بعرشها " وكانت خلفت عرشها بسبأ، ووكلت به حفظة. وقيل: إنها لما بعثت بالهدية بعثت رسلها في جندها لتغافص (2) سليمان عليه السلام بالقتل قبل أن يتأهب سليمان لها إن كان طالب ملك، فلما علم ذلك قال: " أيكم يأتيني بعرشها ". قال ابن عباس: كان أمره بالاتيان بالعرش قبل أن يكتب الكتاب إليها، ولم يكتب إليها حتى جاءه العرش. وقال ابن عطية: وظاهر الآيات أن هذه المقالة من سليمان عليه السلام بعد مجئ هديتها ورده إياها، وبعثه الهدهد بالكتاب، وعلى هذا جمهور المتأولين. واختلفوا في فائد استدعاء عرشها، فقال قتادة:
ذكر له بعظم وجودة، فأراد أخذه قبل أن يعصمها وقومها الاسلام ويحمى أموالهم، والاسلام على هذا الدين، وهو قول ابن جريج. وقال ابن زيد: استدعاه ليريها القدرة التي هي من عند الله، ويجعله دليلا على نبوته، لاخذه من بيوتها دون جيش ولا حرب، و " مسلمين " على هذا التأويل بمعنى مستسلمين، وهو قول ابن عباس. وقال ابن زيد أيضا: أراد أن يختبر عقلها ولهذا قال: " نكروا لها عرشها ننظر أتهتدي ". وقيل: خافت الجن أن يتزوج بها سليمان عليه السلام فيولد له منها ولد، فلا يزالون في السخرة والخدمة لنسل سليمان فقالت لسليمان