من أمرهم، وربما كان في استبدادها برأيها وهن في طاعتها، ودخيلة في تقدير أمرهم، وكان في مشاورتهم وأخذ رأيهم عون على ما تريده من قوة شوكتهم، وشدة مدافعتهم، ألا ترى إلى قولهم في جوابهم: (نحن أولو قوة وأولو بأس شديد) قال ابن عباس: كان من قوة أحدهم أنه يركض فرسه حتى إذا احتد ضم فخذيه فحبسه بقوته.
الثالثة - قوله تعالى: (والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين) سلموا الامر إلى نظرها مع ما أظهروا لها من القوة والبأس والشدة، فلما فعلوا ذلك أخبرت عند ذلك بفعل الملوك بالقرى التي يتغلبون عليها. وفي هذا الكلام خوف على قومها، وحيطة واستعظام لأمر سليمان عليه السلام. " وكذلك يفعلون " قيل: هو من قول بلقيس تأكيدا للمعنى الذي أرادته. وقال ابن عباس: هو من قول الله عز وجل معرفا لمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته بذلك ومخبرا به. وقال وهب: لما قرأت عليهم الكتاب لم تعرف اسم الله، فقالت:
ما هذا؟! فقال بعض القوم: ما نظن هذا إلا عفريتا عظيما من الجن يقتدر به هذا الملك على ما يريده، فسكتوه. وقال الآخر: أراهم ثلاثة من العفاريت، فسكتوه، فقال شاب قد علم: يا سيدة الملوك! إن سليمان ملك قد أعطاه ملك السماء ملكا عظيما فهو لا يتكلم بكلمة إلا بدأ فيها بتسمية إلهه، والله اسم مليك السماء، والرحمن الرحيم نعوته، فعندها قالت:
" أفتوني في أمري " فقالوا: " نحن أولو قوة " في القتال " وأولو بأس شديد " في الحرب واللقاء " والامر إليك " ردوا أمر هم إليها لما جربوا على رأيها من البركة " فانظري ماذا تأمرين " ف " قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوهها وجعلوا أعزة أهلها أذلة " أهانوا شرفاءها لتستقيم لهم الأمور، فصدق الله قولها. " وكذلك يفعلون " قال ابن الأنباري:
" وجعلوا أعزة أهلها أذلة " هذا وقف تام، فقال الله عز وجل تحقيقا لقولها: " وكذلك يفعلون " وشبيه به في سورة " الأعراف " " قال الملا من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم.
يريد أن يخرجكم من أرضكم " تم الكلام، فقال فرعون: " فماذا تأمرون ". وقال ابن شجرة.
هو قول بلقيس، فالوقف " وكذلك يفعلون " أي وكذلك يفعل سليمان إذا دخل بلادنا.