(ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون) مكرهم ما روى أن هؤلاء التسعة لما كان في صدر الثلاثة الأيام بعد عقر الناقة، وقد أخبرهم صالح بمجئ العذاب، اتفقوا وتحالفوا على أن يأتوا دار صالح ليلا ويقتلوه وأهله المختصين به، قالوا: فإذا كان كاذبا في وعيده أوقعنا به ما يستحق، وإن كان صادقا كنا عجلناه قبلنا، وشفينا نفوسنا، قاله مجاهد وغيره. قال ابن عباس: أرسل الله تعالى الملائكة تلك الليلة، فامتلأت بهم دار صالح، فأتى التسعة دار صالح شاهرين سيوفهم، فقتلهم الملائكة رضخا بالحجارة فيرون الحجارة ولا يرون من يرميها. وقال قتادة: خرجوا مسرعين إلى صالح، فسلط عليهم ملك بيده صخرة فقتلهم. وقال السدى: نزلوا على جرف من الأرض، فانهار بهم فأهلكهم الله تحته. وقيل: اختفوا في غار قريب من دار صالح، فانحدرت عليهم صخرة شدختهم جميعا، فهذا ما كان من مكرهم. ومكر الله مجازاتهم على ذلك.
(فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين) أي بالصيحة التي أهلكتهم. وقد قيل: إن هلاك الكل كان بصيحة جبريل. والأظهر أن التسعة هلكوا بعذاب مفرد، ثم هلك الباقون بالصيحة والدمدمة.
وكان الأعمش والحسن وابن أبي إسحاق وعاصم وحمزة والكسائي يقرءون: " أنا " بالفتح، وقال ابن الأنباري: فعلى هذا المذهب لا يحسن الوقف على " عاقبة مكرهم " لان " أنا دمرناهم " خبر كان. ويجوز أن تجعلها في موضع رفع على الاتباع للعاقبة. ويجوز أن تجعلها في موضع نصب من قول الفراء، وخفض من قول الكسائي على معنى: بأنا دمرناهم ولأنا دمرناهم.
ويجوز أن تجعلها في موضع نصب على الاتباع لموضع " كيف " فمن هذه المذاهب لا يحسن الوقف على " مكرهم ". وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: " إنا دمرناهم " بكسر الألف على الاستئناف، فعلى هذا المذهب يحسن الوقف على " مكرهم ". قال النحاس: ويجوز أن تنصب " عاقبة " على خبر " كان " ويكون " إنا " في موضع رفع على أنها اسم " كان ".
ويجوز أن تكون في موضع رفع على إضمار مبتدأ تبيينا للعاقبة، والتقدير: هي إنا دمرناهم، قال أبو حاتم: وفي حرف أبى " أن دمرناهم " تصديقا لفتحها.