قوله تعالى: ولا تجادلوا أهل الكتب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم وحد ونحن له مسلمون (46) وكذلك أنزلنا إليك الكتب فالذين آتيناهم الكتب يؤمنون به ومن هؤلاء من يؤمن به وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون (47) فيه مسئلتان:
الأولى - اختلف العلماء في قوله تعالى: " ولا تجادلوا أهل الكتاب " فقال مجاهد:
هي محكمة فيجوز مجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن على معنى الدعاء لهم إلى الله عز وجل، والتنبيه على حججه وآياته، رجاء إجابتهم إلى الايمان، لا على طريق الاغلاظ والمخاشنة.
وقوله على هذا: " إلا الذين ظلموا منهم " معناه ظلموكم، وإلا فكلهم ظلمة على الاطلاق.
وقيل: المعنى لا تجادلوا من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب المؤمنين كعبد الله ابن سلام ومن آمن معه. (إلا بالتي هي أحسن) أي بالموافقة فيما حدثوكم به من أخبار أوائلهم وغير ذلك. وقوله على هذا التأويل: " إلا الذين ظلموا " يريد به من بقي على كفره منهم، كمن كفر وغدر من قريظة والنضير وغيرهم. والآية على هذا أيضا محكمة. وقيل:
هذه الآية منسوخة بآية القتال قوله تعالى: " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ". قال قتادة:
" إلا الذين ظلموا " أي جعلوا لله ولدا، وقالوا: " يد الله مغلولة " و " إن الله فقير " فهؤلاء المشركون [الذين نصبوا الحرب ولم يؤدوا] (1) الجزية فانتصروا [منهم]. قال النحاس وغيره:
من قال هي منسوخة أحتج بأن الآية مكية، ولم يكن في ذلك الوقت قتال مفروض، ولا طلب جزية، ولا غير ذلك. وقول مجاهد حسن، لان أحكام الله عز وجل لا يقال فيها إنها منسوخة إلا بخبر يقطع العذر، أو حجة من معقول. واختار هذا القول ابن العربي.