الثالثة - فإن كانت من مشرك ففي الحديث " نهيت عن زبد المشركين " يعنى رفدهم وعطاياهم. وروى عنه عليه السلام أنه قبلها كما في حديث مالك عن ثور بن زيد الدبلي وغيره، فقال جماعة من العلماء بالنسخ فيهما، وقال آخرون: ليس فيها ناسخ ولا منسوخ، والمعنى فيها: أنه كان لا يقبل هدية من يطمع بالظهور عليه وأخذ بلده ودخوله في الاسلام، وبهذه الصفة كانت حالة سليمان عليه السلام، فعن مثل هذا نهى أن تقبل هديته حملا على الكف عنه، وهذا أحسن تأويل للعلماء في هذا، فإنه جمع بين الأحاديث. وقيل غير هذا.
الرابعة - الهدية مندوب إليها، وهي مما تورث المودة وتذهب العداوة، روى مالك عن عطاء بن عبد الله الخراساني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تصافحوا يذهب الغل وتهادوا تحابوا وتذهب الشحناء ". وروى معاوية بن الحكم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " تهادوا فإنه يضعف الود ويذهب بغوائل الصدر ". وقال الدارقطني:
تفرد به ابن بجير عن أبيه عن مالك، ولم يكن بالرضى، ولا يصح عن مالك ولا عن الزهري.
وعن ابن شهاب قال: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " تهادوا بينكم فإن الهدية تذهب السخيمة " قال ابن وهب: سألت يونس عن السخيمة ما هي فقال: الغل. وهذا الحديث وصله الوقاصي عثمان عن الزهري وهو ضعيف. وعلى الجملة: فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية، وفيه الأسوة الحسنة. ومن فضل الهدية مع اتباع السنة أنها تزيل حزازات النفوس، وتكسب المهدى والمهدى إليه رنة في اللقاء والجلوس. ولقد أحسن من قال:
هدايا الناس بعضهم لبعض * تولد في قلوبهم الوصالا وتزرع في الضمير هوى وودا * وتكسبهم إذا حضروا جمالا آخر:
إن الهدايا لها حظ إذا وردت * أحظى من الابن عند الوالد الحدب الخامسة - روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " جلساؤكم شركاؤكم في الهدية " واختلف في معناه، فقيل: هو محمول على ظاهره. وقيل: يشاركهم على وجه