والحرمات المقصودة هنا هي أفعال الحج المشار إليها في قوله: " ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم "، ويدخل في ذلك تعظيم المواضع، قاله ابن زيد وغيره. ويجمع ذلك أن تقول:
الحرمات امتثال الامر من فرائضه وسننه. وقوله: (فهو خير له عند ربه) أي التعظيم خير له عند ربه من التهاون بشئ منها. وقيل: ذلك التعظيم خير من خيراته ينتفع به، وليست للتفضيل وإنما هي عدة بخير.
الثانية - قوله تعالى: (وأحلت لكم الانعام) أن تأكلوها: وهي الإبل والبقر والغنم. (إلا ما يتلى عليكم) أي في الكتاب من المحرمات، وهي الميتة والموقوذة وأخواتها.
ولهذا اتصال بأمر الحج، فإن في الحج الذبح، فبين ما يحل ذبحه وأكل لحمه. وقيل: " إلا ما يتلى عليكم غير محلى الصيد وأنتم حرم " (1) الثالثة - قوله تعالى: (فاجتنبوا الرجس من الأوثان) الرجس: الشئ القذر.
الوثن: التمثال من خشب أو حديد أو ذهب أو فضة ونحوها، وكانت العرب تنصبها وتعبدها. والنصارى تنصب الصليب وتعبده وتعظمه فهو كالتمثال أيضا. وقال عدى ابن حاتم: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب فقال: (ألق هذا الوثن عنك) أي الصليب، وأصله من وثن الشئ أي أقام في مقامه. وسمى الصنم وثنا لأنه ينصب ويركز في مكان فلا يبرح عنه. يريد اجتنبوا عبادة الأوثان، روى عن ابن عباس وابن جريج. وسماها رجسا لأنها سبب الرجز وهو العذاب. وقيل: وصفها بالرجس، والرجس النجس فهي نجسة حكما. وليست النجاسة وصفا ذاتيا للأعيان وإنما هي وصف شرعي من أحكام الايمان، فلا تزال إلا بالايمان كما لا تجوز الطهارة إلا بالماء.
الرابعة - (من) في قوله: " من الأوثان " قيل: إنها لبيان الجنس، فيقع نهيه عن رجس (2) الأوثان فقط، ويبقى سائر الأرجاس نهيها في غير هذا الموضع. ويحتمل أن تكون لابتداء الغاية، فكأنهم نهاهم عن الرجس عاما ثم عين لهم مبدأه الذي منه يلحقهم، إذ عبادة الوثن جامعة لكل فساد ورجس. ومن قال إن " من " للتبعيض، قلب معنى الآية وأفسده.