وقال الزجاج: " فلا ينازعنك في الامر " أي فلا يجادلنك، ودل على هذا " وإن جادلوك ". ويقال: قد نازعوه فكيف قال فلا ينازعنك، فالجواب أن المعنى فلا تنازعهم أنت. نزلت الآية قبل الامر بالقتال، تقول: لا يضاربنك فلان فلا تضاربه أنت، فيجرى هذا في باب المفاعلة. ولا يقال: لا يضربنك زيد وأنت تريد لا تضرب زيدا. وقرأ أبو مجلز: " فلا ينزعنك في الامر " أي لا يستخفنك (1) ولا يغلبنك عن دينك. وقراءة الجماعة من المنازعة. ولفظ النهى في القراءتين للكفار، والمراد النبي صلى الله عليه وسلم. (وادع إلا ربك) أي إلى توحيده ودينه والايمان به. (إنك لعلى هدى) أي دين. (مستقيم) أي قويم لا اعوجاج فيه.
قوله تعالى: وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون (68) الله يحكم بينكم يوم القيمة فيما كنتم فيه تختلفون (69).
قوله تعالى: (وإن جادلوك) أي خاصموك يا محمد، يريد مشركي مكة. (فقل الله أعلم بما تعملون) يريد من تكذيبهم محمدا صلى الله عليه وسلم، عن ابن عباس. وقال مقاتل: هذه الآية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الاسراء وهو في السماء السابعة لما رأى من آيات ربه الكبرى، فأوحى الله إليه: " وإن جادلوك " بالباطل فدافعهم بقولك:
" الله أعلم بما تعملون " من الكفر والتكذيب، فأمره الله تعالى بالاعراض عن مماراتهم صيانة له عن الاشتغال بتعنتهم، ولا جواب لصاحب العناد. (الله يحكم بينكم يوم القيامة) يريد بين النبي صلى الله عليه وسلم وقومه. (فيما كنتم فيه تختلفون) يريد في خلافكم آياتي، فتعرفون حينئذ الحق من الباطل.
مسألة - في هذه الآية أدب حسن علمه الله عباده في الرد على من جادل تعنتا ومراء ألا يجاب ولا يناظر ويدفع بهذا القول الذي علمه الله لنبيه صلى الله عليه وسلم. وقد قيل: إن هذه الآية منسوخة بالسيف، يعنى السكوت عن مخالفه والاكتفاء بقوله: " الله يحكم بينكم ".