الدخول مع السعي ينوب عن طواف الإفاضة لمن رجع إلى بلده مع الهدى، كما ينوب طواف الإفاضة مع السعي لمن لم يطف ولم يسع حين دخوله مكة مع الهدى أيضا عن طواف القدوم. ومن قال هذا قال: إنما قيل لطواف الدخول واجب ولطواف الإفاضة واجب لان بعضهما، ينوب عن بعض، ولأنه قد روى عن مالك أنه يرجع من نسى أحدهما من بلده على ما ذكرنا، ولأن الله عز وجل لم يفترض على الحاج إلا طوافا واحدا بقوله:
" وأذن في الناس بالحج "، وقال في سياق الآية: " وليطوفوا بالبيت العتيق " والواو عندهم في هذه الآية وغيرها لا توجب رتبة إلا بتوقيف. وأسند الطبري عن عمرو ابن أبي سلمة قال: سألت زهيرا عن قوله تعالى: " وليطوفوا بالبيت العتيق " فقال:
هو طواف الوداع. وهذا يدل على أنه واجب، وهو أحد قولي الشافعي، لأنه عليه السلام رخص للحائض أن تنفر دون أن تطوفه، ولا يرخص إلا في الواجب.
الثالثة والعشرون - اختلف المتأولون في وجه صفة البيت بالعتيق، فقال مجاهد والحسن: العتيق القديم. يقال: سيف عتيق، وقد عتق أي قدم، وهذا قول يعضده النظر. وفي الصحيح (أنه أول مسجد وضع في الأرض). وقيل: عتيقا لان الله أعتقه من أن يتسلط عليه جبار بالهوان إلى انقضاء الزمان، قال معناه ابن الزبير ومجاهد. وفى الترمذي عن عبد الله بن الزبير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما سمى البيت العتيق لأنه لم يظهر عليه جبار) قال: هذا حديث حسن صحيح (1)، وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا. فإن ذكر ذاكر الحجاج بن يوسف ونصبه المنجنيق على الكعبة حتى كسرها قيل له: إنما أعتقها عن كفار الجبابرة، لأنهم إذا أتوا بأنفسهم متمردين ولحرمة البيت غير معتقدين، وقصدوا الكعبة بالسوء فعصمت منهم ولم تنلها أيديهم، كان ذلك دلالة على أن الله عز وجل صرفهم عنها قسرا. فأما المسلمون الذين اعتقدوا حرمتها فإنهم إن كفوا عنها لم يكن في ذلك من الدلالة على منزلتها عند الله مثل ما يكون منها في كف الأعداء، فقصر الله تعالى هذه الطائفة عن الكف بالنهي والوعيد، ولم يتجاوزه إلى الصرف بالالجاء والاضطرار،