قوله تعالى: (أفلم يسيروا في الأرض) يعنى كفار مكة فيشاهدوا هذه القرى فيتعظوا، ويحذروا عقاب الله أن ينزل بهم كما نزل بمن قبلهم. (فتكون لهم قلوب يعقلون بها) أضاف العقل إلى القلب لأنه محله كما أن السمع محله الاذن. وقد قيل: إن العقل محله الدماغ، وروى عن أبي حنيفة، وما أراها عنه صحيحة. (فإنها لا تعمى الابصار) قال الفراء: الهاء عماد، ويجوز أن يقال فإنه، وهي قراءة عبد الله بن مسعود، والمعنى واحد، التذكير على الخبر، والتأنيث على الابصار أو القصة، أي فإن الابصار لا تعمى، أو فإن القصة. (لا تعمى الابصار) أي أبصار العيون ثابتة لهم. (ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) أي عن درك الحق والاعتبار. وقال قتادة: البصر الناظر جعل بلغة ومنفعة، والبصر النافع في القلب. وقال مجاهد: لكل عين أربع أعين، يعنى لكل إنسان أربع أعين:
عينان في رأسه لدنياه، وعينان في قلبه لاخرته، فإن عميت عينا رأسه وأبصرت عينا قلبه فلم يضره عماه شيئا، وإن أبصرت عينا رأسه وعميت عينا قلبه فلم ينفعه نظره شيئا. وقال قتادة وابن جبير: نزلت هذه الآية في ابن أم مكتوم الأعمى. قال ابن عباس ومقاتل:
لما نزل: " ومن كان في هذه أعمى " (1) [الاسراء: 72] قال ابن أم مكتوم: يا رسول الله، فأنا في الدنيا أعمى أفأكون في الآخرة أعمى؟ فنزلت: " فإنها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ". أي من كان في هذه أعمى بقلبه عن الاسلام فهو في الآخرة في النار).
قوله تعالى: ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون (47) قوله تعالى: (ويستعجلونك بالعذاب) نزلت في النضر بن الحارث، وهو قوله:
" فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين " (2) [الأعراف: 70]. وقيل: نزلت في أبى جهل بن هشام، وهو قوله: " اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك " (2) [الأنفال: 32]. (ولن يخلف الله وعده) أي في إنزال العذاب. قال الزجاج: استعجلوا العذاب فأعملهم الله أنه لا يفوته شئ، وقد نزل بهم في الدنيا يوم بدر.