قلت: وحديث بريرة يرد قول من قال: إن الخير المال، على ما يأتي.
الخامسة - اختلف العلماء في كتابة من لا حرفة له، فكان ابن عمر يكره أن يكاتب عبده إذا لم تكن له حرفة، ويقول: أتأمرني أن آكل أوساخ الناس؟ ونحوه عن سلمان الفارسي. وروى حكيم بن حزام فقال: كتب عمر بن الخطاب إلى عمير بن سعد: أما بعد!
فإنه مزن قبلك من المسلمين أن يكاتبوا أرقاءهم على مسألة الناس. وكرهه الأوزاعي وأحمد وإسحاق. ورخص في ذلك مالك وأبو حنيفة والشافعي. وروي عن علي رضي الله عنه أن ابن التياح مؤذنه قال له: أكاتب وليس لي مال؟ قال نعم، ثم حض الناس على الصدقة على، فأعطوني ما فضل عن مكاتبتي، فأتيت عليا فقال: اجعلها في الرقاب. وقد روي عن مالك كراهة ذلك، وأن الأمة التي لا حرفة لها يكره مكاتبتها لما يؤدي إليه من فسادها.
والحجة في السنة لا فيما خالفها. روى الأئمة عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت على بريرة فقالت: إن أهلي كاتبوني على تسع أواق في تسع سنين، كل سنة أوقية، فأعينيني...
الحديث. فهذا دليل على أن للسيد أن يكاتب عبده وهو لا شئ معه، ألا ترى أن بريرة جاءت عائشة تخبرها بأنها كاتبت أهلها وسألتها أن تعينها، وذلك كان في أول كتابتها قبل أن تؤدي منها شيئا، كذلك ذكره ابن شهاب عن عروة أن عائشة أخبرته أن بريرة جاءت تستعينها في كتابتها ولم تكن قضت من كتابتها شيئا، أخرجه البخاري وأبو داود. وفي هذا دليل على جواز كتابة الأمة، وهي غير ذات صنعة ولا حرفة ولا مال، ولم يسأل النبي صلى الله عليه وسلم هل لها كسب أو عمل واصب (1) أو مال، ولو كان هذا واجبا لسأل عنه ليقع حكمه عليه، لأنه بعث مبينا معلما صلى الله عليه وسلم. وفي هذا الحديث ما يدل على أن من تأول في قوله تعالى: " إن علمتم فيهم خيرا " أن المال الخير، ليس بالتأويل الجيد، وأن الخير المذكور هو القوة على الاكتساب مع الأمانة. والله أعلم.
السادسة - الكتابة تكون بقليل المال وكثيره، وتكون على أنجم، لحديث بريرة.
وهذا ما لا خلاف فيه بين العلماء والحمد لله. فلو كاتبه على ألف درهم ولم يذكر أجلا نجمت