قوله تعالى: ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متع لكم والله يعلم ما تبدون وما تكتمون (29) فيه مسألتان:
الأولى - روي أن بعض الناس لما نزلت آية الاستئذان تعمق في الامر (1)، فكان لا يأتي موضعا خربا ولا مسكونا إلا سلم واستأذن، فنزلت هذه الآية، أباح الله تعالى فيها رفع الاستئذان في كل بيت لا يسكنه أحد، لان العلة في الاستئذان إنما هي لأجل خوف الكشفة على الحرمات، فإذا زالت العلة زال الحكم.
الثانية - اختلف العلماء في المراد بهذه البيوت، فقال محمد بن الحنفية وقتادة ومجاهد:
هي الفنادق التي في طرق السابلة. قال مجاهد: لا يسكنها أحد بل هي موقوفة ليأوي إليها كل ابن سبيل، وفيها متاع لهم، أي استمتاع بمنفعتها. وعن محمد بن الحنفية أيضا أن المراد بها دور مكة، ويبينه قول مالك. وهذا على القول بأنها غير متملكة، وأن الناس شركاء فيها وأن مكة أخذت عنوة. وقال ابن زيد والشعبي: هي حوانيت القيساريات. قال الشعبي:
لأنهم جاءوا ببيوعهم فجعلوها فيها، وقالوا للناس هلم. وقال عطاء: المراد بها الخرب التي يدخلها الناس للبول والغائط، ففي هذا أيضا متاع. وقال جابر بن زيد: ليس يعنى بالمتاع الجهاز، ولكن ما سواه من الحاجة، أما منزل ينزله قوم من ليل أو نهار، أو خربة يدخلها لقضاء حاجة، أو دار ينظر إليها فهذا متاع وكل منافع الدنيا متاع. قال أبو جعفر النحاس:
وهذا شرح حسن من قول إمام من أئمة المسلمين، وهو موافق للغة. والمتاع في كلام العرب:
المنفعة، ومنه أمتع الله بك. ومنه " فمتعوهن (2) " [الأحزاب: 49].
قلت: واختاره أيضا القاضي أبو بكر بن العربي وقال: أما من فسر المتاع بأنه جميع الانتفاع فقد طبق المفصل وجاء بالفيصل، وبين أن الداخل فيها إنما هو لما له من الانتفاع فالطالب يدخل في الخانكات وهي المدارس لطلب العلم، والساكن يدخل الخانات