تفسير سورة الزخرف من [آية 5 - 19] * (أفنضرب عنكم الذكر) * أي: أنهملكم ونصرف الذكر عنكم لإسرافكم وإنما كانت الحاجة إلى الذكر للإسراف، إذ لو كانوا على السيرة العادلة والطريقة الوسطى لما احتيج إلى التذكير بل التذكير يجب عند الإفراط والتفريط، ولهذا بعث الأنبياء في زمان الفترة. قال الله تعالى: * (كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين) * [البقرة، الآية: 213].
* (وجعلوا له من عباده جزء) * أي: اعترفوا بأنه خالق السماوات والأرض ومبدعهما وفاطرهما وقد جسموه وجزؤوه بإثبات الولد له الذي هو بعض من الوالد مماثل له في النوع لكونهم ظاهريين جسمانيين لا يتجاوزون عن رتبة الحس والخيال ولا يتجردون عن ملابس الجسمانيات، فيدركون الحقائق المجردة والذوات المقدسة فضلا عن ذوات الله تعالى، فكل ما تصوروا وتخيلوا كان شيئا جسمانيا ولهذا كذبوا الأنبياء في إثبات الآخرة والبعث والنشور وكل ما يتعلق بالمعاد، إذ لا يتعدى إدراكهم الحياة الدنيا وعقولهم المحجوبة عن نور الهداية أمور المعاش فلا مناسبة أصلا بين ذواتهم وذوات الأنبياء إلا في ظاهر البشرية، فلا حاجة إلى ما وراءها. ولما سمعوا من أسلافهم قول الأوائل من الحكماء في إثبات النفوس الملكية وتأنيثهم إياها إما باعتبار اللفظ، وإما باعتبار تأثرها وانفعالها عن الأرواح المقدسة العقلية مع وصفهم إياها بالقرب من الحضرة الإلهية توهموا أنوثتها في الحقيقة التي هي بإزاء الذكورة في الحيوان مع اختصاصها بالله فجعلوها بنات، وقلما يعتقدها العامي إلا صور إنسية لطيفة في غاية الحسن.
تفسير سورة الزخرف من [آية 20