تفسير ابن عربي - ابن العربي - ج ٢ - الصفحة ٢٢٢
سورة الزخرف بسم الله الرحمن الرحيم تفسير سورة الزخرف من [آية 1 - 4] أقسم بأول الوجود وهو الحق وآخره وهو محمد وما أجل قسما بما هو أصل الكل وكماله، ولهذا كانت الشهادة بهما أساس الإسلام وعماد الإيمان والجمع بينهما هو المذهب الحق والملة القويمة. فإن أحدية الوجود والتأثير هو الجبر وإثبات التفصيل في الوجود والتأثير هو القدر، والجمع بينهما بقولنا: لا إله إلا الله محمد رسول الله، هو الصراط المستقيم، والدين المتين. أو بما يناسب الكتاب وهو اللوح والقلم لقوله تعالى: * (ن والقلم وما يسطرون) * [القلم، الآية: 1] وقد يكنى عن الكلمة بآخرها كما يكنى عنها بأولها. فعلى الوجه الأول يمكن أن يؤول الكتاب بنفس محمد لكونه مبينا للحق جمعا وتفصيلا وكونه منزلا من عند الله * (قرآنا) * أي: جامعا لجميع تفاصيل الوجود، حاصرا للصفات الإلهية والمراتب الوجودية والكمالية * (عربيا لعلكم تعقلون) * ما نخاطبكم به.
* (وإنه في أم الكتاب) * أي: أصل الوجود في الرتبة الأولى وأول نقطة الوجود الإضافي الممتاز بالتعين الأول عن الوجود المطلق التالي للهوية المحضة المشار إليه بقوله: * (لدينا لعلي) * رفيع القدر بحيث لا رفعة وراءها * (حكيم) * ذو الحكمة إذ به ظهرت صور الأشياء وحقائقها أعيانها وصفاتها وترتيب الموجودات ونظامها على ما هي عليه. وأما على الوجه الثاني فلا يستقيم هذا التأويل، بل هو القرآن المبين للتوحيد والتفصيل الدال عليهما، المقسم به إجمالا * (وإنه في أم الكتاب) * أي: الروح الأعظم المشتمل على كل العلوم بل كل الأشياء لدينا قريبا منا أقرب من سائر العلوم الحاصلة في مراتب التنزلات. فإن العلم اللدني هو الذي انتقش في الروح الذي هو أول الأرواح قبل تنزله في المراتب، وكون القرآن ذا الحكمة كونه مشتملا على الحكمة النظرية المفيدة للاعتقادات الحقة من التوحيد والنبوة وبيان أحوال المعاد وأمثالها، فالحكمة العملية من بيان أحكام أفعال المكلفين كالشرائع وكيفية السلوك في المراتب وأحوال المكاسب والمواهب.
(٢٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 217 218 219 220 221 222 223 224 225 226 227 ... » »»