إلى الآية 36] * (وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم) * لما سمعوا من الأنبياء تعليق الأشياء بمشيئة الله تعالى افترضوه وجعلوه ذريعة في الإنكار، وقالوا ذلك لا عن علم وإيقان بل على سبيل العناد والإفحام، ولهذا ردهم الله تعالى بقوله: * (ما لهم بذلك من علم) * إذا لو علموا ذلك لكانوا موحدين لا ينسبون التأثير إلا إلى الله فلا يسعهم إلا عبادته دون غيره إذ لا يرون حينئذ لغيره نفعا ولا ضرا * (إن هم إلا يخرصون) * لتكذيبهم أنفسهم في هذا القول بالفعل حين عظموهم وخافوهم وخوفوا أنبياءهم من بطشهم كما قال قوم هود:
* (إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء) * [هود، الآية: 54]، ولما خوفوا إبراهيم عليه السلام كيدهم أجاب بقوله: * (ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا) * [الأعراف، الآية:
80] إلى قوله: * (وكيف أخاف ما أشركتم) * [الأعراف، الآية: 81].
* (وقالوا لولا نزل هذا القرآن) * إلى آخره، لما لم يكونوا أهل معنى ولاحظ لهم إلا من الصورة لم يتصوروا في رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا يعظمونه به إذ لا مال له ولا حشمة ولا جاه عندهم، وعظم في أعينهم الوليد بن المغيرة وأضرابه كأبي مسعود الثقفي وغيره لمكان حشمتهم ومالهم وخدمهم، فاستخفوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: لا يناسب حاله اصطفاء الله إياه وكرامته عنده، ولو كان هذا القرآن من عند الله لاختار له رجلا عظيما كالوليد وأبي مسعود فأنزل عليه لتناسب حالة عظمة الله، فردهم الله لأنهم ليسوا بقاسمي رحمة الدين والهداية التي لاحظ لهم منها ولا معرفة لهم بها، بل ليسوا بقاسمي ما هم يعرفونه ويتصرفون فيه من المعيشة والحطام الدنيوي الذي يتهالكون على كسبه ولا