الرسائل الفقهية - الوحيد البهبهاني - الصفحة ١٥٦
هذا، وبعد ما أيقنت ذلك، ظهر لك اندفاع ما يستشكل من أنه إذا كانت العبادة المكروهة صحيحة راجحة وجودها على عدمها، فلم كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) يتركونها وينهون عنها بالنهي التنزيهي، على ما نقل عنهم (عليهم السلام)؟ ولم فات عنهم تلك الفضيلة وذلك الثواب؟ إذ قد عرفت أنه فيما كان له بدل - كالصلاة في الحمام - لا إشكال أصلا، وفيما لا بدل له - كالصوم في الأيام المكروهة - يجوز أن يكون خصوصه مرجوحا وإن كان أصل الصوم راجحا، فيكون القبح المتحقق في تلك الخصوصية المقارنة له أزيد من ثواب أصل الفعل، بحيث تبقى مع تعارضها وسقوط الثاني كراهة بعد فعله.
فلذلك تركوه ونهوا عن فعله بالنهي التنزيهي، فتأمل.
وظهر أيضا أن ما ادعاه الفاضل المحقق الشيخ علي (رحمه الله) من أن الكراهة في العبادات ليست إلا بمعنى قلة الثواب (1)، إذ العبادة لا تكون إلا راجحة أو محرمة، فإذا كانت العبادة صحيحة مكروهة، فليست الكراهة فيها إلا بمعنى قلة الثواب، مما لا حاجة إلى ارتكابه، إذ الكراهة بالمعنى المصطلح مما يعقل هاهنا، فلا حاجة إلى العدول عنه بلا دليل.
على أنه يرد عليه أن قلة الثواب لو كانت هي الكراهة لزم أن يكون كثير من العبادات مكروهة مما لم يقل بكراهته أحد، مثلا: الصلاة في البيت أقل ثوابا بالنسبة إلى الصلاة في مسجد السوق، وفي مسجد السوق بالنسبة إلى مسجد المحلة، وفي مسجد المحلة بالنسبة إلى المسجد الجامع، وفي المسجد الجامع بالنسبة إلى مسجد الكوفة والأقصى، وفيهما بالنسبة إلى مسجد المدينة، وفيه بالنسبة إلى المسجد الحرام.. إلى غير ذلك من العبادات المكروهة بمرتبة لا ينتهي إليها ثواب

(١) جامع المقاصد: ٢ / 37، ولاحظ أيضا: مشارق الشموس: 372.
(١٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 150 151 153 154 155 156 157 158 159 160 161 ... » »»
الفهرست