أحكام القرآن - ابن العربي - ج ٤ - الصفحة ٣٢١
في قول على اختلاف في أيها أفضل حسبما بيناه في مسائل الخلاف فقد ثبت عن النبي أنه قال صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام واختلف في هذا الاستثناء هل هو على تفضيل المفضل أو احتماله فمنهم من قال إنه مفضل بتفضيل المسجد الحرام على مسجد المدينة ومنهم من قال إنه محتمل وهو الصحيح لأن كل تأويل تضمن فيه مقدارا يجوز تقديره على خلافه على أنه قد روي من طريق لا بأس بها أن النبي قال صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام فإن صلاة فيه خير من مائة صلاة في مسجدي ولو صح هذا لكان نصا المسألة الثانية المساجد وإن كانت لله ملكا وتشريفا فإنها قد نسبت إلى غيره تعريفا فيقال مسجد فلان وفي صحيح الحديث أن النبي سابق بين الخيل التي أضمرت من الحيفاء وأمدها ثنية الوداع وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق وتكون هذه الإضافة بحكم المحلية كأنها في قبلتهم وقد تكون بتحبيسهم فإن الأرض لله ملكا ثم يخص بها من يشاء فيردها إليه ويعينها لعبادته فينفذ ذلك بحكمه ولا خلاف بين الأمة في تحبيس المساجد والقناطر والمقابر وإن اختلفوا في تحبيس غير ذلك المسألة الثالثة إذا تعينت لله أصلا وعينت له عقدا فصارت عتيقة عن التملك مشتركة بين الخليقة في العبادة فإنه يجوز اتخاذ الأبواب لها ووضع الأغلاق عليها من باب الصيانة لها فهذه الكعبة بأبوابها وكذلك أدركنا المساجد الكريمة وفي البخاري مدرجا وفي كتاب أبي داود مسندا كانت الكلاب تقبل وتدبر وتبول في المسجد فلا يرشون ذلك وهذا لأنه لم يكن للمسجد حينئذ باب ثم وروي أنه كان يصلي بعد العشاء ركعتين ويصلي من الليل تسعا منها الوتر وكان ينام أول الليل ويحيي آخره وما ألفاه السحر إلا عند أهله قائما وكان يوتر في آخر الليل حتى انتهى وتره إلى السحر وما قرأ القرآن كله قط في ليلة ولا صلى ليلة إلى الصبح وكان إذا فاته قيام الليل من وجع أو غيره صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة وكان يقول الوتر ركعة من آخر الليل ويقول أوتروا قبل أن تصبحوا وقال صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل وهذا كله صحيح في الصحيح وقد بينا في شرح الحديث الجمع بين اختلاف الروايات في عدد صلاته فإنه كان يصلي إحدى عشرة ركعة وهي كانت وظيفته الدائمة وكان يفتتح صلاة الليل بركعتين خفيفتين فهذه ثلاث عشرة ركعة وكان يصلي إذا طلع الفجر ركعتين ثم يخرج إلى صلاة الصبح فهذا تأويل قول من روى أنه كان يصلي خمس عشرة ركعة وقد روت عائشة في الصحيح أن النبي كان يصلي تسع ركعات فيها الوتر ولعل ذلك كان حين ضعف وأسن وحطمه البأس أو كان لألم والله أعلم الآية السابعة قوله تعالى (* (واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا) *) الآية 8 فيها مسألتان المسألة الأولى في معنى التبتل وهو عند العرب التفرد قاله ابن عرفة وقال غيره وهو الأقوى هو القطع يقال بتل إذا قطع وتبتل إذا كان القطع في نفسه فلذلك قالوا إن معنى الآية انفرد لله وصدقة بتلة أي منقطعة من جميع المال وفي حديث سعد رد رسول الله على عثمان بن مظعون التبتل ولو أذن له فيه لاختصينا يعني الانقطاع عن النساء
(٣٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 316 317 318 319 320 321 322 323 324 325 326 ... » »»