أحكام القرآن - ابن العربي - ج ٤ - الصفحة ٣٢٥
(* (وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا) *) الفرقان 62 وكما أن العمل في الآدمي أصل خلقي فكذلك الزمان للسياحة وجه خلقي أيضا لكن الحكمة فيه أن يقدم للدار الأخرى ويعتمد فيه قبل العمل ما هو به أولى وأحرى ولو عمره كله بالشكر والذكر ورزق على ذلك قدرة ما كان قضاء لحق النعمة فوضعه الله أوقاتا للعبادة وأوقاتا للعادة فالنهار خمسة أقسام الأول من الصبح إلى طلوع الشمس محل لصلاة الصبح وهو فسحة للفريضة فإن أديت كانت فيه محلا للذكر وكان رسول الله إذا صلى الصبح جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس حسا فإذا طلعت قام إلى وظيفته الآدمية حتى تبيض الشمس فيكون هنالك عبادة نفلية يمتد وقتها إلى أن تجد الفصال حر الشمس في الأرض لقول النبي صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال وهو أيضا خلفة لمن نام عن قيام الليل لقوله عليه السلام من فاته حزبه من الليل فصلاه ما بين صلاة الصبح إلى صلاة الظهر فكأنه لم يفته وهو مغمور بحال المعاش قال الإمام كنا بثغر الإسكندرية مرابطين أياما وكان في أصحابنا رجل حداد وكان يصلي معنا الصبح ويذكر الله إلى طلوع الشمس ثم يحضر حلقة الذكر ثم يقوم إلى حرفته حتى إذا سمع النداء بالظهر رمى بالمرزبة في أثناء العمل وتركه وأقبل على الطهارة وجاء المسجد فصلى وأقام في صلاة أو ذكر حتى يصلي العصر ثم ينصرف إلى منزله في معاشه حتى إذا غابت الشمس جاء فصلى المغرب ثم عاد إلى فطره ثم يأتي المسجد فيركع أو يسمع ما يقال من العلم حتى إذا صلى العشاء الآخرة انصرف إلى منزله وهو محل للقائلة وهي نوم النهار المعين على قيام الليل في الصلاة أو العلم فإذا زالت الشمس حانت صلاة الظهر فإذا صار ظل كل شيء مثله حانت صلاة العصر فإذا غربت الشمس زال النهار بوظائفه ونوافله
(٣٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 320 321 322 323 324 325 326 327 328 329 330 ... » »»