أحكام القرآن - ابن العربي - ج ٤ - الصفحة ٣٢٦
ثم يدخل الليل فتكون صلاة المغرب وكان ما بعدها وقتا للتطوع يقال إنه المراد بقوله (* (تتجافى جنوبهم عن المضاجع) *) السجدة 16 وإنه المراد أيضا بقوله (* (إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلا) *) المزمل 6 ثم يغيب الشفق فتدخل العشاء الآخرة ويمتد وقتها إلى نصف الليل أو ثلثه وهو محل النوم إذا صلى العشاء الآخرة إلى نصف الليل فإذا انتصف الليل فهو وقت لقيام الليل في الحديث الصحيح ينزل ربنا جل وعلا كل ليلة إلى سماء الدنيا إذا ذهب شطر الليل فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له حتى إذا ذهب ثلث الليل فهو أيضا وقت للقيام لقوله إذا بقي ثلث الليل ينزل ربنا إلى سماء الدنيا الحديث وفي الحديث أيضا خرجه مسلم إذا ذهب ثلث الليل الأول ينزل ربنا إلى السماء الدنيا فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له وعلى هذا الترتيب جاء قوله تعالى (* (قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا) *) المزمل 2 - 3 هو إذا بقي ثلث الليل (* (أو زد عليه) *) وهو إذا ذهب ثلث الليل الأول وبهذا الترتيب انتظم الحديث والقرآن فإنهما ينظران من مشكاة واحدة حتى إذا بقي سدس الليل كان محلا للنوم ففي الحديث الصحيح أن النبي حث على سنن داود في صومه وقيامه فقال عليه السلام إن داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه ثم يطلع الفجر فتعود الحالة الأولى هكذا أبدا ذلك تقدير العزيز العليم وتدبير العلي الحكيم المسألة الخامسة قوله تعالى (* (إلا قليلا) *)) استثنى من الليل كله (* (قليلا) *) وهذا استثناء على وجه كلام فيه وهو إحالة التكليف على مجهول يدرك علمه بالاجتهاد إذ لو قال إلا ثلثه أو ربعه أو سدسه لكان بيانا نصا فلما قال (* (إلا قليلا) *) وكان مجملا لا يدرك إلا بالاجتهاد دل ذلك على أن القياس أصل من أصول الشريعة وركن من أركان أدلة التكليف
(٣٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 321 322 323 324 325 326 327 328 329 330 332 ... » »»