تفسير النسفي - النسفي - ج ٢ - الصفحة ١٥٧
هود (45 _ 46)) نوح وقومه لقصد الاختصار والاستغناء بحرف العهد عن ذلك ولم يقل وسويت على الجودى أي أقرت على نحو قيل وغيض اعتبارا لبناء الفاعل مع السفينة في قوله وهى تجرى بهم إرادة للمطابقة ثم قيل بعد للقوم ولم يقل ليبعد القوم طلبا للتأكيد مع الاختصار هذا من حيث النظر إلى تركيب الكلم وأما من حيث النظر إلى ترتيب الجمل فذلك أنه قدم النداء على الأمر فقيل أيا ارض ابلعي ويا سماء أقعلى ولم يقل ابلعي يا ارض وأقلعى يا سماء جريا على مقتضى الكلام فيمن كان مأمورا حقيقة من تقديم التنبيه ليتمكن الأمر الوارد عقيبه في نفس المنادى قصدا بذلك لمعنى الترشيح ثم قدم الأرض على أمر المساء وابتدأ به الطوفان منها ثم أتبع وغيض الماء لاتصاله بقصة الماء وأخذه بحجزتها ثم ذكر ما هو المقصود وهو قوله * (وقضي الأمر) * أي أنجز الموعود من إهلاك الكفرة وانجاء نوح ومن معه في الفلك وعلى هذا فاعتبر ومن جهة الفصاحة المعنوية وهى كما ترى نظم للمعاني لطيف وتأدية لها ملخصة مبينة لا تعقيد يعثر الفكر في طلب المراد ولا التواء يشبك الطريق إلى المرتاد ومن جهة الفصاحة اللفظية فألفاظها على ما ترى عربية مستعملة سليمة عن التنافر بعيدة عن البشاعة عذبة على العذبات سلسلة على الاسلات كل منها كالماء في السلاسة وكالعسل في الحلاوة وكالنسيم في الرقة ومن ثم أطبق المعاندون على أن طوق البشر قاصر على الإتيان بمثل هذه الآية ولله در شأن التنزيل لا يتأمل العالم آية من آياته إلا أدرك لطائف لاتسع الحصر ولا تظنن الآية مقصورة على المذكور فلعل المتروك أكثر من المسطور * (ونادى نوح ربه فقال رب) * نداؤه ربه دعاؤه له وهو قوله رب مع ما بعده من اقتضاء وعده في تنجية أهله * (إن ابني من أهلي) * أي بعض أهلي لأنه كان ابنه من صلبه أو كان ربيبا له فهو بعض أهله * (وإن وعدك الحق) * وان كل وعد تعده فهو الحق الثابت الذي لا شك في انجازه والوفاء به وقد وعدتني أن تنجى أهلي فما بال ولدى * (وأنت أحكم الحاكمين) * أي اعلم الحكام واعدلهم إذ لا فضل لحاكم على غيره إلا بالعلم والعدل ورب غريق في الجهل والجور من متقلدي الحكومة في زمانك قد لقب أقضى القضاة ومعناه احكم الحاكمين فاعتبر واستعبر * (قال يا نوح إنه ليس من أهلك) * ثم علل لانتفاء كونه من أهله بقوله * (إنه عمل غير صالح) * وفيه ايذان بأن قرابة الدين غامرة لقرابة النسب وان نسيبك في دينك وان كان حبشيا وكنت قرشيا لصيقك ومن لم يكن على دينك وان كان أمس أقاربك رحما فهو أبعد بعيد منك وجعلت ذاته عملا غير صالح مبالغة في دمة كقولها
(١٥٧)
مفاتيح البحث: الجهل (1)، البول (1)، السفينة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 ... » »»