تفسير البغوي - البغوي - ج ٤ - الصفحة ٣٠١
منها ثلاث وهلك سائرهن فرقة وازت الملوك وقاتلوهم على دين عيسى عليه الصلاة والسلام فأخذوهم وقتلوهم وفرقة لم تكن لهم طاقة بموازة الملوك ولا بأن يقيموا بين ظهرانيهم يدعونهم إلى دين الله ودين عيسى عليه السلام فساحوا في البلاد وترهبوا وهم الذين قال الله عز وجل فيهم (ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم) فقال النبي صلى الله عليه وسلم \ من آمن بي وصدقني واتبعني فقد رعاها حق رعايتها ومن لم يؤمن بي فأولئك هم الهالكون \ وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار فقال لي \ يا ابن أم عبد هل تدري من أين اتخذت بنو إسرائيل الرهبانية قلت الله ورسوله أعلم قال ظهرت عليهم الجبابرة بعد عيسى عليه السلام يعملون بالمعاصي فغضب أهل الإيمان فقاتلوهم فهزم أهل الإيمان ثلاث مرات فلم يبق منهم إلا القليل فقالوا إن ظهرنا لهؤلاء أفنونا ولم يبق للدين أحد يدعو إليه فقالوا تعالوا نتفرق في الأرض إلى أن يبعث الله النبي الذي وعدنا به عيسى عليه السلام يعنون صلى الله عليه وسلم فتفرقوا في غيران الجبالن وأحدثوا رهبانية فمنهم من تمسك بدينه ومنهم من كفر ثم تلا هذه الآية (ورهبانية ابتدعوها) الآية (فآتينا الذين آمنوا منهم) يعني من ثبتوا عليها أجرهم ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم \ يا ابن أم عبد أتدري ما رهبانية أمتي قلت الله ورسوله أعلم قال الهجرة والجهاد والصلاة والصوم والحج والعمرة والتكبير على التلاع \ وروي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال \ إن لكل أمة رهبانية ورهبانية هذه الأمة الجهاد في سبيل الله \ وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كانت ملوك بني إسرائيل بعد عيسى عليه السلام بدلوا التوراة والإنجيل وكان فيهم مؤمنون يقرؤن التوراة والإنجيل ويدعونهم إلى دين الله فقيل لملوكهم لو جمعتهم هؤلاء الذين شقوا عليكم فقتلتموهم أو دخلوا فيما نحن فيه فجمعهم ملوكهم وعرض عليهم القتل أو يتركوا قراءة التوراة والإنجيل إلا ما بدلوا منها فقالوا نحن نكفيكم أنفسنا فقالت طائفة ابنوا لنا أسطوانة ثم ارفعونا إليها ثم أعطونا شيئا نرفع به طعامنا وشرابنا ولا نرد عليكم وقالت طائفة دعونا نسيح في الأرض ونهيم ونشرب كما يشرب الوحش فإن قدرتم علينا بأرض فاقتلونا وقالت طائفة ابنوا لنا دورا في الفيافي نحتفر الآبار ونحترث البقول فلا نرد عليكم ولا نمر بكم ففعلوا بهم ذلك فمضى أولئك على منهاجعيسى عليه الصلاة والسلام وخلف قوم من بعدهم ممن قد غير الكتاب فجعل الرجل يقول نكون في مكان فلان فنتعبد كما تعبد فلان ونسيح كما ساح فلان ونتخذ دورا كما اتخذ فلان وهم على شركهم لا علم لهم بإيمان الذين قاتدوا بهم فذلك قوله عز وجل (ورهبانية ابتدعوها) أي ابتدعها هؤلاء الصالحون فما رعوها حق رعايتها يعني الآخرين الذين جاؤوا من بعدهم فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم يعني الذين ابتدعوها ابتغاء رضوان الله وكثير منهم فاسقون الذين جاؤوا من بعدهم قال فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم ولم يبق منهم إلا قليل انحط رجل من صومعته وجاء سياح من سياحته وصاحب دير من ديره وآمنوا به
(٣٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 296 297 298 299 300 301 302 303 304 305 306 ... » »»