تفسير البغوي - البغوي - ج ٣ - الصفحة ١٠٢
إسرائيل فقسمهم بين الملوك الذي كانوا معه فأصاب كل رجل منهم أربعة غلمان وفرق من بقي من بني إسرائيل ثلاث فرق فثلثا أقر بالشام وثلثا سبي وثلثا قتل وذهب بناشئة بيت المقدس وبالصبيان السبعين الألف حتى أقدمهم بابل فكانت هذه الواقعة الأولى التي أنزل الله ببني إسرائيل بظلمهم فذلك قوله تعالى (فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد) يعني بختنصر وأصحابه ثم إن بختنصر أقام في سلطانه ما شاء الله ثم رأى رؤيا أعجبته إذ رأى شيئا أصابه فأنساه الله الذي رأى فدعا دانيا وحنانيا وعزارا وميشائيل وكانوا من ذراري الأنبياء وسألهم عنها قالوا أخبرنا بها نخبرك بتأويلها قال ما اذكرها ولئن لم تخبروني بها وبتأويلها لأنزعن أكتافكم فخرجوا من عنده فدعوا الله وتضرعوا إليه فأعلمهم الذي بالذي رأى وسألهم عنه فجاؤوه وقالوا رأيت تمثالا قدماه وساقاه من فخار وركبتاه وفخذاه من نحاس وبطنه من فضة وصدره من هب ورأسه وعنقه من حديد قال صدقتم قالوا فبينما أنت تنظر إليه وقد أعجبتك أرسل الله تعالى صخرة من السماء فدقته فهي التي انستكها قال صدقتم قال فما تأويلها قالوا تأويلها أنك رأيت ملك الملوك فبعضهم كان ألين ملكا وبعضهم كان أحسن ملكا وبعضهم كان أشبه ملكا الفخار أضعفه ثم فوقه النحاس أشد منه ثم فوق النحاس الفضة أحسن من ذلك وأفضل والذهب أحسن من الفضة وأفضل ثم الحديد ملكك فهو أشد وأعز مما كان قبله والصخرة التي رأيت أرسل الله من السماء فدقته نبي يبعثه الله من السماء فيدق ذلك أجمع ويصير الأمر إليه ثم إن أهل بابل قالوا لبختنصر أرأيت هؤلاء الغلمان من بني إسرائيل الذين كنا سألناك أن تعطيناهم ففعلت فإنا قد أنكرنا نساءنا منذ كانوا معنا لقد رأينا نساءنا انصرفت عنا وجوههن إليهم فأخرجهم من بين أظهرنا أو اقتلهم قال شأنكم بهم فمن أحب منكم أن يقتل من كان في يده فليفعل ذلك فلما قربوهم للقتل بكوا إلى تعالى وقالوا يا رب أصابنا البلاء بذنوب غيرنا فوعد الله أن يجيبهم فقتلوا إلا من استبقى بختنصر منهم دانيال وحنانيا وعزازيا وميشائيل ثم لما أراد الله هلاك بختنصر انبعث وتيقظ فقال لمن في يده من بني إسرائيل أرأيتم هذا البيت الذي خربته والناس الذين قتلهم منهم وما هذا البيت قالوا هذا بيت الله وهؤلاء أهله كانوا من ذراري الأنبياء فظلموا وتعدوا فسلطت عليهم بذنوبهم وكان ربهم رب السماوات والأرض ورب الخلق كلهم يكرمهم ويعزهم فلما فعلوا ما فعلوا أهلكهم الله وسلط عليهم غيرهم فاستكبر وظن أنه بجبروته فعل ذلك ببني إسرائيل قال فأخبروني كيف لي أن أطلع إلى السماء العليا فاقتل من فيها وأتخذها ملكا لي فإني قد فرغت من الأرض قالوا ما يقدر عليها أحد من الخلائق قال لتفعلن أو لأقتلنكم عن آخركم فبكوا وتضرعوا إلى الله تعالى فبعث الله عليهم بقدرته بعوضة فدخلت منخره حتى عضت بأم دماغه فما كان يقر ولا يسكن حتى يوجأ له رأسه على أم دماغه فلما مات شقوا رأسه فوجدوا البعوضة عاضة على أم دماغه ليري الله العباد قدرته وينجي الله من بقي من بني إسرائيل في يديه فردوهم إلى الشام فبنوا فيه وكثروا حتى كانوا على أحسن ما كانوا عليه ويزعمون أن الله تعالى أحيا أولئك الذين قتلوا فلحقوا بهم ثم إنهم لما دخلوا الشام دخلوها وليس معهم عهد من الله تعالى وكانت التوراة قد احترقت وكان عزير من السبايا
(١٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 ... » »»