تفسير البغوي - البغوي - ج ٣ - الصفحة ٩٩
ترحم وتستجيب دعوة المضطرين وأنت الذي أجبت دعوتي وتضرعت فلما رفع رأسه أوحى الله إلى شعياء أن قل للملك صديقة فيأمر عبدا من عبيده فيأتيه بماء التين فيجعله في قرحته فيشفى فيصبح وقد برأ ففعل وشفي وقال الملك لشعياء سل ربك أن يجعل لنا علما بما هو صانع بعدونا هذا قال الله لشعياء قل له إني قد كفيتك عدوك وأنجيتك منهم وأنهم سيصبحون موتى كلهم إلا سنجاريب وخمسة نفر من كتابه أحدهم بختنصر فلما أصبحوا جاء صارخ فصرخ على باب المدينة يا ملك بني إسرائيل إن الله قد كفاك عدوك فأخرج فإن سنجاريب ومن معه قد هلكوا فلما خرج الملك التمس سنجاريب في القتلى فلم يوجد في الموتى فبعث الملك في طلبه فأدركه الطلب في مغارة وخمسة نفر من كتابه أحدهم بختنصر فجعلوهم في الجوامع ثم أتوا بهم إلى ملك بني إسرائيل فلما رآهم خر ساجدا لله من حين طلعت الشمس إلى العصر ثم قال يا سنجاريب كيف ترى فعل ربنا بكم ألم يقتلكم بحوله وقوته ونحن وأنتم غافلون فقال سنجاريب له قد أتاني خبر ربكم ونصره إياكم ورحمته التي يرحمكم بها قبل أن أخرج من بلادي فلم أطع مرشدا ولم يلقني في الشقوة إلا قلة عقلي ولو سمعت أو عقلت ما غزوتكم فقال صديقة الحمد لله رب العالمين الذي كفانا كم بما شاء وإن ربنا لم يبقك ومن معك لكرامتك على ربك ولكنه إنما أبقاك ومن معك لتزدادوا شقوة في الدنيا وعذابا في الآخرة ولتخبروا من وراءكم بما رأيتم من فعل ربنا بكم فتنذروا من بعدكم ولولا ذلك لقتلكم ولدمك ولدم من معك أهون على الله من دم قراد لو قتلت ثم إن ملك بني إسرائيل أمر أمير حرسه فقذف في رقابهم الجوامع فطافت بهم سبعين يوما حول بيت المقدس وإيليا وكان يرزقهم كل يوم خبزين من شعير لكل رجل منهم فقال سنجاريب لملك بني إسرائيل القتل خير مما تفعل بنا فأمر بهم الملك إلى السجن والقتل فأوحى الله إلى شعياء عليه السلام أن قل لملك بني إسرائيل يرسل سنجاريب ومن معه لينذروا من وراءهم وليكرمهم وليحملهم حتى يبلغوا بلادهم فبلغ شعياء الملك ذلك ففعل الملك صديقة ما أمر به فخرج سنجاريب ومن معه حتى قدموا بابل فلما قدموا جمع الناس فأخبرهم كيف فعل الله بجنوده فقال له كهانه وسحرته يا ملك بابل قد كنا نقص عليك خبر ربهم وخبر نبيهم ووحي الله إلى نبيهم فلم تطعنا وهي أمة لا يستطيعها أحد مع ربهم وكان أمر سنجاريب تخويفا لهم ثم كفاهم الله تذكرة وعبرة ثم لبث سنجاريب بعد ذلك سبع سنين ثم مات واستخلف بختنصر ابن ابنه على ما كان عليه جده يعمل عليه فلبث سبع عشرة سنة ثم قبض الله ملك بني إسرائيل صديقة فمرج أمر بني إسرائيل وتنافسوا الملك حتى قتل بعضهم بعضا ونبيهم شعياء معهم ولا يقبلون منه فلما فعلوا ذلك قال الله لشعياء قم في قومك حتى أوحي على لسانك فلما قام النبي شعياء معهم ولا يقبلون منه فلما فعلوا ذلك قال الله لشعياء قم في قومك حتى أوحي على لسانك فلما قام النبي شعياء انطق الله على لسانه بالوحي فقال يا سماء استمعي ويا أرض انصتي فإن الله يريد أن يقص شأن بني إسرائيل الذين رباهم بنعمته واصطفاهم لنفسه وخصهم بكرامته وفضلهم على عباده وهم كالغنم الضائعة التي لا راعي لها فآوى شاردتها وجمع ضالتها وجبر كسرها وداوى مريضها وأسمن مهزولها وحفظ سمينها فلما فعل ذلك بطرت فتناطحت كباشها فقتل بعضها بعضا حتى لم يبق منها عظم صحيح يجبر إليه آخر كسير فويل لهذه الأمة الخاطئة التي لا يدرون أني جاءهم الحين أن البعير مما يذكر وطنه فينتابه وأن الحمار لما يذكر الأري
(٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 ... » »»