تفسير البغوي - البغوي - ج ٣ - الصفحة ٩١
لما رأوا ما فعل المشركون بقتلاهم يوم أحد من تبقير البطون والمثلة السيئة حتى لم يبق أحد من قتلى المسلمين إلا مثل به من غير حنظلة بن الراهب فإن أباه أبا عامر الراهب كان مع أبي سفيان فتركوا حنظلة لذلك فقال المسلمون حين رأوا ذلك لئن أظهرنا الله عليهم لنزيدن على صنيعهم ولنمثلن بهم مثلة لم يفعلها أحد من العرب بأحد فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمه حمزة بن عبد المطلب وقد جدعوا أنفه وأذنه وقطعوا مذاكيره وبقروا بطنه وأخذت هند بنت عتبة قطعة من كبده فمضغتها ثم استرطبتها لتأكلها فلم تلبث في بطنها حتى رمت بها فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال أما إنها لو أكلتها لم تدخل النار أبدا إن حمزة أكرم على الله تعالى من أن يدخل شيئا من جسده النار فلما نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حمزة نظر إلى شيء لم ينظر إلى شيء قط كان أوجع لقلبه منه فقال النبي صلى الله عليه وسلم \ رحمة الله عليك أبا السائب فإنك ما علمتك إلا فعالا للخيرات وصولا للرحم ولولا حزن من بعدك عليك لسرني أن أدعك حتى تحشر من أفواج شتى أما والله لئن أظفرني الله بهم لأمثلن بسبعين منهم مكانك \ فأنزل الله تعالى (وإن عاقبتم فعاقبوا) الآية (ولئن صبرتم لهو خير للصابرين) أي ولئن عفوتم لهو خير للعافين فقال النبي صلى الله عليه وسلم بل نصبر وأمسك عما أراد وكفر عن يمينه قال ابن عباس والضحاك كان هذا قبل نزول براءة حين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتال من قاتله ومنع من الابتداء بالقتال فلما أعز الإسلام وأهله نزلت براءة وأمروا بالجهاد ونسخت هذه الآية قال النخعي والثوري ومجاهد وابن سيرين الآية محكمة نزلت في من ظلم بظلامة فلا يحل له أن ينال من ظالمه أكثر مما نال الظالم منه أمر بالجزاء والعفو ومنع من الاعتداء ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم 127 (واصبر وما صبرك إلا بالله) أي بمعونة الله وتوفيقه (ولا تحزن عليهم) في إعراضهم عنك (ولا تك في ضيق مما يمكرون) أي مما فعلوا من الأفاعيل قرأ ابن كثير ها هنا وفي النمل (ضيق) بكسر الضاد وقرأ الآخرون بفتح الضاد قال أهل الكوفة هما لغتان مثل رطل ورطل وقال أبو عمر الضيق بالفتح الغم وبالكسر الشدة وقال أبو عبيدة الضيق بالكسر في قلة المعاش وفي المساكن فاما ما كان في القلب والصدر فإنه بالفتح وقال ابن قتيبة الضيق تخفيف ضيق مثل هين وهين ولين ولين فعلى هذا هو صفة كأنه قال ولا تكن في أمر ضيق من مكرهم 128 (إن الله مع الذين اتقوا) المناهي (والذين هم محسنون) بالعون والنصرة
(٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 ... » »»