تفسير البغوي - البغوي - ج ٣ - الصفحة ٥٥٤
(بلدة طيبة) أي أرض سبأ بلدة طيبة ليست بسبخة قال ابن زيد لم يكن يرى في بلدتهم بعوضة ولا ذباب ولا برغوث ولا عقرب ولا حية وكان الرجل يمر ببلدهم وفي ثيابه القمل كله من طيب الهواء فذلك قوله تعالى (بلدة طيبة) أي طيبة الهواء (ورب غفور) قال مقاتل وربكم إن شكرتموه فيما رزقكم رب غفور للذنوب 16 (فأعرضوا) قال وهب أرسل الله إلى سبأ ثلاثة عشر نبيا فدعوهم إلى الله وذكروهم نعمه عليهم وأنذروهم عقابه فكذبوهم وقالوا ما نعرف لله عز وجل علينا نعمة فقولوا لربكم فليحبس هذه النعم عنا إن استطاع فذلك قوله تعالى (فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم) والعرم جمع عرمة وهي السكر الذي يحبس به الماء وقال ابن الأعرابي العرم السيل الذي لا يطاق وقيل كان ماء أحمر أرسله الله عليهم من حيث شاء وقيل العرم الوادي وأصله من العرامة وهي الشدة والقوة وقال ابن عباس ووهب وغيرهما كان ذلك السد بنته بلقيس وذلك أنهم كانوا يقتتلون على ماء واديهم فأمرت بواديهم فسد بالعرم وهو المسنأة بلغة حمير فسدت بين الجبلين بالصخر والقار وجعلت له أثوابا ثلاثة بعضها فوق بعض وبنت من دونه بركة ضخمة وجعلت فيها اثني عشر مخرجا على عدة أنهارهم يفتحونها إذا احتاجوا إلى الماء وإذا استغنوا سدوها فإذا جاء المطر اجتمع إليه ماء أودية اليمن فاحتبس السيل من وراء السد فأمرت بالباب العلى ففتح فجرى ماؤه في البركة فكانوا يسقون من الباب الأعلى ثم من الثاني ثم من الثالث الأسفل فلا ينفذ الماء حتى يثوب الماء من السنة المقبلة فكانت تقسمه بينهم على ذلك فبقوا على ذلك بعدها مدة فلما طغوا وكفروا سلط الله عليهم جرذا يسمى الخلد فنقب السد من أسفله فغرق الماء جنايتهم وخرب أرضهم قال وهب وكان مما يزعمون ويجدون في علمهم وكهانتهم أنه يخرب سدهم فأرة فلم يتركوا فرجة بين حجرتين إلا ربطوا عندها هرة فلما جاء زمانه وما أراد الله عز وجل بهم من التغريق أقبلت فيما يذكرون فأرة حمراء كبيرة إلى هرة من تلك الهرر فساورتها حتى أستأخرت منها الهرة فدخلت في الفرجة التي كانت عندها فتغلغلت في السد فثقبت وحفرت حتى أوهنته للسيل وهم لا يدرون بذلك فلما جاء السيل وجد خللا فدخل فيه حتى قطع السد وفاض على أموالهم فغرقها ودفن بيوتهم الرمل فتفرقوا وتمزقوا حتى صاروا مثلا عند العرب يقولون صار بنو فلان أيدي سبأ وأيادي سبأ أي تفرقوا وتبددوا فذلك قوله تعالى (فأرسلنا عليهم سيل العرم) (وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط) قرأ العامة بالتنوين وقرأ أهل البصرة (أكل خمط) بالإضافة الأكل الثمر والخمط الأراك وثمرة يقال له البرير هذا قول كثر المفسرين وقال المبرد والزجاج كل نبت قد أخذ طعما من المرارة حتى لا يمكن كله هو خمط وقال أبن الأعرابي الخمط ثمر شجرة يقال له فسوة الضبع على صورة الخشخاش يتفرك ولا ينتفع به فمن جعل الخمط اسما للمأكول فالتنوين في أكل حسن ومن جعله أصلا وجعل الأكل ثمرة فالإضافة فيه ظاهرة والتنوين سائغ تقول العرب في بستان فلان أعناب كرم يترجم عن العناب بالكرم لأنها منه (واثل وشئ من سدر قليل) فالأثل هو الطرفاء وقيل هو شجر يشبه الطرفاء إلى أنه أعظم منه والسدر شجر النبق ينتفع بورقه لغسل اليد وغرس في البساتين ولم يكن
(٥٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 549 550 551 552 553 554 555 556 557 558 559 ... » »»