تفسير البغوي - البغوي - ج ٣ - الصفحة ٥٥٢
سأل ربه ثلاثا فأعطاه اثنين وأنا أرجو أن يكون أعطاه الثالثة سأل حكما يصادف حكمه فأعطاه إياه وسأله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه إياه وسأله أن لا يأتي هذا البيت أحد يصلي فيه ركعتين إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وأنا أرجو أن يكون قد أعطاه ذلك قالوا لم يزل بيت المقدس على ما بناه سليمان حتى غزا بختنصر فخرب المدينة وهدمها ونقض المسجد وأخذ ما كان في سقوفه وحيطانه من الذهب والفضة والدر والياقوت وسائر الجواهر فحمله إلى دار مملكته من أرض العراق وبنى الشياطين لسليمان باليمن حصونا كثيرة عجيبة من الصخر قوله (وتماثيل) أي كانوا يعملون له تماثيل أي صورا من نحاس وصفر وشبة وزجاج ورخام وقيل كانوا يصورون السباع والطيور وقيل كانوا يتخذون صور الملائكة والأنبياء والصالحين في المسجد ليراها الناس فيزدادوا عبادة ولعلها كانت مباحة في شريعتهم كما أن عيسى كان يتخذ صورا من الطين فينفخ فيها فتكون طيرا بإذن الله (وجفان) أي قصاع واحدتها جفنة (كالجواب) كالحياض التي يجبى فيها الماء أي يجمع واحدتها جابية يقال كان يعقد على الجفنة الواحد ألف رجل يأكلون ثابتات لها قوائم لا تحركن عن أماكنها لعظمهن ولا ينزلن ولا يقلعن وكان يصعد عليها بالسلالم جمع السلم وكانت باليمن (اعلموا آل داود شكرا) أي وقلنا اعملوا آل داود شكرا مجازة اعملوا يا آل داود بطاعة الله شكرا له على نعمه (وقليل من عبادي الشكور) أي العامل بطاعتي شكرا لنعمتي قيل المراد من آل داود هو داود نفسه وقيل داود وسليمان وأهل بيته وقال جعفر بن سليمان سمعت ثابتا يقول كان داود نبي عليه السلام قد جزأ ساعات الليل والنهار على أهله فلم يكن تأتي ساعة من ساعات الليل والنهار إلا وانسان من آل داود قائم يصلي 14 (فلما قضينا عليه الموت) أي على سليمان قال أهل العلم كان سليمان عليه السلام يتجرد في بيت المقدس السنة والسنتين والشهر والشهرين وأقل من ذلك وأكثر يدخل فيه طعامه وشرابه فأدخل في المرة التي مات فيها وكان بدء ذلك أنه كان لا يصبح يوما إلا نبتت في محراب بيت المقدس شجرة فيسألها ما اسمك فتقول اسمي كذا فيقول لأي شيء أنت فتقول لكذا وكذا فيأمر بها فتقطع فإن كانت نبتت لغرس غرسها وإن كانت لدواء كتب حتى نبتت الخروبة فقال لها ما أنت قالت الخروبة قال لأي شيء نبت قالت لخراب مسجدك فقال سليمان ما كان الله ليخربه وأنا حي أنت التي على وجهك هلاكي وخراب بيت المقدس فنزعها وغرسها في حائط له ثم قال اللهم عم على الجن موتي حتى يعلم الأنس أن الجن لا يعلمون الغيب وكانت الجن تخبر الأنس انهم يعلمون من الغيب أشياء ويعلمون ما في غد ثم دخل المحراب فقام يصلي متكئا على عصاه فمات قائما وكان للمحراب كوى بين يديه وخلفه وكانت الجنة يعملون تلك الأعمال الشاقة التي كانوا يعملون في حياته وينظرون إليه يحسبون انه حي ولا ينكرون احتباسه عن الخروج إلى الناس لطول صلاته قبل ذلك فمكثوا يدابون له بعد موته حولا كاملا حتى أكلت الأرضة عصا سليمان فخر ميتا فعلموما بموته قال ابن عباس فشكرت الجن الأرضة فهم يأتونها بالماء والطين في جوف الخشب فذلك قوله (ما دلهم على موته إلا
(٥٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 547 548 549 550 551 552 553 554 555 556 557 ... » »»