تفسير البغوي - البغوي - ج ٣ - الصفحة ٤٢٢
سورة النمل من الآية 45 وحتى الآية 49 صرحا أي قصرا من زجاج وقيل بيتا من زجاج كأنه الماء بياضا وقيل الصرح صحن الدار وأجرى تحته الماء وألقى فيه كل شيء من دواب البحر السمك والضفادع وغيرهما ثم وضع سريره في صدره وجلس عليه وعكفت عليه الطير والجن والإنس وقيل اتخذ صحنا من قوارير وجعل تحتها تماثيل من الحيتان والضفادع فكان الواحد إذا رآه ظنه ماء وقيل إما بنى الصرح ليختبر عقلها وفهمها كما فعلت هي بالوصائف والوصفيات فلما جلس على السرير دعا بلقيس فلما جاءت قيل لها ادخلي الصرح (فلما رأته حسبته لجة) وهي معظم الماء (وكشفت عن ساقيها) لتخوضه إلى سليمان فنظر سليمان فإذا هي أحسن الناس قدما وساقا إلا أنها كانت شعراء الساقين فلما رأى سليمان ذلك صرف بصره عنه وناداها (قال إنه صرح ممرد) مملس مستو (من قوارير) وليس بماء ثم إن سليمان دعاها إلى الإسلام وكانت قد رأت السرير والصرح علمت أن ملك سليمان من الله فقالت رب إني ظلمت نفسي بعبادة غيرك (وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين) أي أخلصت له التوحيد وقيل إنها لما بلغت الصرح فظنته لجة قالت في نفسها إن سليمان يريد أن يغرقني وكان القتل على أهون من هذا فقولها ظلمت نفسي تعني بذلك الظن واختلفوا في أمرها بعد إسلامها فقال عون بن عبد الله سأل رجل عبد الله بن عتبة هل تزوجها سليمان فقال انتهى أمرها إلى قولها أسلمت مع سليمان لله رب العالمين يعني لا علم لنا وراء ذلك وقال بعضهم تزوجها ولما أراد أن يتزوجها كره ما رأى من كثرة شعر ساقيها فسأل الإنس ما يذهب هذا قالوا الموسى فقالت المرأة لم تمسني حديدة قط فكره سليمان الموسى وقال إنها تقطع ساقيها قال الحسن فسأل الجن فقالوا لا ندري ثم سأل الشياطين فقال إنا نحتال لك حتى تكون كالفضة البيضاء فاتخذوا النورة والحمام فكانت النورة والحمامات من يومئذ فلما تزوجها سليمان أحبها حبا شديدا وأقرها على ملكها وأمر الجن فابتنوا لها بأرض اليمن ثلاثة حصون لم ير الناس مثلها ارتفاعا وحسنا وهي سلحين وبيسنون وعمدان ثم كان سليمان يزورها في كل شهر مرة بعد أن ردها إلى ملكها ويقيم عندها ثلاثة أيام يبتكر من الشام إلى اليمن ومن اليمن إلى الشام وولدت له فيما ذكر وروى عن وهب قال زعموا أن بلقيس لما أسلمت قال لها
(٤٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 417 418 419 420 421 422 423 424 425 426 427 ... » »»