تفسير البغوي - البغوي - ج ٣ - الصفحة ٤١١
حولي من دونك فأوحى الله إليه أن لا تبك فإني سوف أملؤك وجوها سجدا وأنزل فيك قرآنا جديدا وأبعث منك نبيا في آخر الزمان أحب أنبيائي إلي وأجعل فيك عمارا من خلقي يعبدونني وأفرض على عبادي فريضة يزفون إليك زفيف النسور إلى وكرها ويحنون إليك حنين الناقة إلى ولدها والحمامة إلى بيضها وأطهرك من الأوثان وعبدة الشياطين ثم مضى سليمان حتى مر بوادي السدير واد من الطائف فأتى على وادي النمل هكذا قال كعب إنه واد بالطائف وقال قتادة ومقاتل هو أرض بالشام وقيل واد كان يسكنه الجن وأولئك النمل مراكبهم وقاف نوف الحميري كان نمل ذلك الوادي أمثال الذباب وقيل كالبخاتي والمشهور أنه النمل الصغير وقال الشعبي كانت تلك النملة ذات جناحين وقيل كانت نملة عرجاء فنادت (قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم) ولم تقل ادخلن لأنه لما جعل لهم قولا كالآدميين خوطبوا بخطاب الآدميين (لا يحطمنكم) لا يكسرنكم (سليمان وجنوده) والحطم الكسر (وهم لا يشعرون) فسمع سليمان قولها وكان لا يتكلم خلق إلا حملت الريح ذلك فألقته في مسامع سليمان قال مقاتل سمع سليمان كلامها من ثلاثة أميال قال الضحاك كان اسم تلك النملة طاحية قال مقاتل كان اسمها جرمي فإن قيل كيف يتصور الحطم من سليمان وجنوده وكانت الريح تحمل سليمان وجنوده على بساط بين السماء والأرض قيل كان جنوده ركبانا وفيهم مشاة على الأرض تطوى لهم وقيل يحتمل أن يكون هذا قبل تسخير الله الريح لسليمان قال أهل التفسير علم النمل أن سليمان نبي ليس فيه جبرية ولا ظلم ومعنى الآية أنكم لو لم تدخلوا مساكنكم وطؤكم ولم يشعروا بكم ويروى أن سليمان لما بلغ وادي النمل حبس جنوده حتى دخل النمل بيوتهم 19 قوله عز وجل (فتبسم ضاحكا من قولها) قال الزجاج أكثر ضحك الأنبياء التبسم وقوله (ضاحكا) أي متبسما قيل كان أوله التبسم وآخره الضحك أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا يحيى بن سليمان حدثني ابن وهب أنا عمرو وهو ابن الحارث أنا أبي النصر حدثه عن سليمان بن يسار عن عائشة قالت ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعا قط ضاحكا حتى أرى منه لهواته إنما كان يتبسم أخبرنا عبد الله بن عبد الصمد الجورجاني أنا أبو القاسم الخزاعي أنا الهيثم بن كليب ثنا أبو عيسى ثنا قتيبة بن سعيد ثنا بن لهيعة عن عبد الله بن المغيرة عن عبد الله بن الحارث بن جزء قال ما رأيت أحدا أكثر تبسما من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مقاتل كان ضحك سليمان من قول النملة تعجبا لأن الإنسان إذا رأى ما لا عهد له به تعجب وضحك ثم حمد سليمان ربه على ما أنعم عليه (وقال رب أوزعني) ألهمني (أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلي والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين) أي أدخلني في جملتهم وأثبت أسمى مع أسمائهم واحشرني في زمرتهم قال ابن عباس يريد مع إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ومن بعدهم من النبيين وقيل أدخلني الجنة برحمتك من عبادك الصالحين 20 قوله عز وجل (وتفقد الطير) أي طلبها وبحث عنها والتفقد طلب ما فقد ومعنى الآية طلب
(٤١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 406 407 408 409 410 411 412 413 414 415 416 ... » »»