مقاتل أرادوا بالقوة كثرة العدد وبالبأس الشديد الشجاعة وهذا تعريض منهم بالقتال إن أمرتهم بذلك ثم قالوا (والأمر إليك) أيتها الملكة في القتال وتركه (فانظري) من الرأي (ماذا تأمرين) تجدين لأمرك مطيعين 34 (قالت) بلقيس مجيبة لهم عن التعريض للقتال (إن الملوك إذا دخلوا قرية) عنوة (أفسدوها) خربوها (وجعلوا أعزة أهلها أذلة) أي أهانوا أشرافها وكبراءها كي يستقيم لهم الأمرلا تحذرهم مسير سليمان إليهم ودخوله بلادهم وتناهى الخبر عنها ههنا فصدق الله قولها فقال (وكذلك تفعلون) أي كما قالت هي يفعلون 35 ثم قالت (وإني مرسلة إليهم بهدية) والهدية هي العطية على طريق الملاطفة وذلك أن بلقيس كانت امرأة لبيبة قد سيست وساست فقالت الملأ من قومها إني مرسلة إليهم أي إلى سليمان وقومه بهدية أصانعه بها عن ملكي وأختبره بها أملك هو أن نبي فإن يكن ملكا قبل الهدية وانصرف وإن كان نبيا لم يقبل الهدية ولم يرضه منا إلا أن نتبعه على دينه فذلك قوله تعالى (فناظرة بم يرجع المرسلون) فأهدت إليه وصفاء ووصائف قال ابن عباس ألبستهم لباسا واحدا كي لا يعرف الذكر من الأنثى وقال مجاهد ألبس الغلمان لباس الجواري وألبس الجواري ألبسة الغلمان واختلفوا في عددهم فقال ابن عباس مائة وصيف ومائة وصيفة وقال مجاهد ومقاتل مائتا غلام ومائتا جارية وقال قتادة وسعيد بن جبير أرسلت إليه بلبنة من ذهب في حرير وديباج وقال ثابت البناني أهدت إليه صفائح من الذهب في أوعية الديباج وقيل كانت أربع لبنات من ذهب وقال وهب وغيره عمدت بلقيس إلى خمسمائة غلام وخمسمائة جارية فألبست الغلمان لباس الجواري وجعلت في سواعدهم أساور من ذهب وفي أعناقهم أطواقا من ذهب وفي آذانهم أقراطا وشنوفا مرصعات بأنواع الجواهر وألبست الجواري لباس الغلمان الأقبية والمناطق وحملت الجواري على خمسمائة رمكة والغلمان على خمسمائة برذون على كل فرس لجام من هب مرصع بالجواهر وغواشيها من الديباج الملون وبعثت إليه خمسمائة لبنة من ذهب وخمسمائة لبنة من فضة وتاجا مكللا بالدر والياقوت المرتفع وأرسلت إليه المسك والعنبر والعود اليلنجوج وعمدت إلى حقه فجعلت فيها درة ثمينة غير مثقوبة وخرزة جزعية مثقوبة معوجة الثقب ودعت رجلا من أشراف قومها يقال له المنذر بن عمرو وضمت إليه رجالا من قومهما أصحاب رأي وعقل وكتبت معه كتابا بنسخة لاهدية وقالت فيه إن كنت نبيا فميز لي بين الوصائف والوصفاء وأخبرني بما في الحقة قبل أن تفتحها واثقب الدر ثقبا مستويا وأدخل خيطا في الخرزة المثقوبة من غير علاج إنس ولا جن وأمرت بلقيس الغلمان فقالت إذا كلمكم سليمان فكلموه بكلام تأنيث وتخنيث يشبه كلام النساء وأمرت الجواري أن يكلمنه بكلام فيه غلظة يشبه كلام الرجال ثم قالت للرسول انظر إلى الرجل إذا دخلت عليه فإن نظر إليه نظر غضب فاعلم أنه ملك ولا يهولنك منظره فإنا أعز منه وإن رأيت الرجل بشاشا لطيفا فاعلم أنه نبي مرسل فتفهم قوله ورد الجواب فانطلق الرسول بالهدايا وأقبل الهدهد مسرعا إلى سليمان فأخبره الخبر كله فأمر سليمان الجن أن يضربوا لبنات الذهب ولبنات الفضة ففعلوا ثم أمرهم أن
(٤١٧)